Wednesday, August 23, 2006

رسالة من أمير العمري الي صلاح هاشم : نحن نغرد خارج السرب وهم ينبحون داخل الحظيرة

أمير العمري


رسالة الي صلاح هاشم

نحن نغرد خارج السرب وهم ينبحون داخل الحظيرة
عزيزي صلاح
أرسل إليك بالتوضيح التالي، حتى يخرس كل من تسول له نفسه بحديث السوء عني، ويخرس لسانه عن أي ادعاءات تزعم أنني أكتب ما أكتب مدفوعا بالرغبة في الانتقام، أو لأنني لم أحصل على دعوة لهذا المهرجان أو ذاك
أود بداية أن أوضح أن أمير العمري كف تماما، منذ أكثر من عشر سنوات، عن الاتصال بالمهرجانات السينمائية العربية لكي يطلب تسجيله كناقد سينمائي ، يريد أن يدعى لتفطية المهرجان
كان هذا منذ أن دعاني مهرجان قرطاج السينمائي عام 1996، وقبله مهرجان دمشق السينمائي عام ، 1991، في عهد مديره مروان حداد، وكان اصدقاء لي هم محمد ملص واسامة محمد وعمر اميرالاي في ادارة المهرجان تلك السنة، وألحوا علي إلحاحا بضرورة الحضور
في حالة مهرجان دمشق، فوجئت عقب وصولي بقيام المهرجان بمنع 6 افلام تونسية اعتبرها افلاما جيدة منها "عصفور السطح" و"ريح السد، بدعوى انها افلام صهيونية، وأنا المتخصص لعشر سنوات في البحث في السينما الصهيونية. وقد شهدت تلك الدورة سجالا صارخا وحادا بين أنصار المنع ومنهم إلى جانب مروان حداد وقفت الممثلة فردوس عبد الحميد والمخرج الراحل صلاح أبو سيف (الذي اعتذر عن توقيعه الليلة السابقة على اقامة الندوة المفتوحة لمناقشة القضية، على بيان قدمه له بعض المخرجين مثل داوود عبد السيد ومحمد ملص، واعتبر أنه غرر به) والمعارضين للمنع وقد وقف في هذا الصف صراحة وبشجاعة يحسدون عليها كل من ملص وأميرالاي واسامة محمد وسمير ذكرى وغيرهم من السينمائيين السوريين.
بعد عودتي إلى لندن، خصصت صفحة كاملة من جريدة "القدس العربي" التي كنت أعمل فيها واكتب لها، عن قصة دمشق، أو بالأحرى فضيحة منع الأفلام.
ثم ذهبت إلى مهرجان قرطاج عام 1996، بدعوة من الملحق الثقافي التونسي في لندن ،الذي اتصل بي على منزلي في لندن لكي يخبرني أنهم في قرطاج يسعدهم استضافتي، وكان يتابع ما أكتبه بانتظام في صحيفة "القدس العربي".. وكنت لسنوات اكتب فيها صفحة كاملة عن السينما، اكتسبت اهتماما كبيرا في الأوساط الثقافية في العالم العربي
وعندما ذهبت إلى مهرجان قرطاج، فوجئت بالأجواء التي تعرفها أنت جيدا، وعرفت أن هناك وفدا اسرائيليا لم يعلن عن وجوده، وأن المهرجان كان قد استقدم افلاما اسرائيلية ثم أخفاها، واصدرت بعض جماعات المجتمع المدني بيانات تدين فيها ذلك التوجه
وعندما عدت ،لم يكن من الممكن تجاهل ما ثار من جدل في أجواء المهرجان، حول قضايا التطبيع وغيرها، خصوصا بعد أن صدرت بيانات عن جماعات في المجتمع المدني، ونشرت الصحف التونسية تصريحات وتصريحات مضادة، وأخبارا كثيرة أثارت جدلا. وقد كتبت وعلقت، ونشرت تقريرا بما حدث، فلم يكن ممكنا تجاهل أهم أحداث المهرجان
وكانت نتيجة كتاباتي أنني عوقبت بعدم دعوتي مرة أخرى، ولا حتى على نفقتي الشخصية.
واعتبرت كما لا زلت أعتبر، أن كرامتي واحترامي لنفسي فوق أي اعتبار آخر لدي، فلست من "متسولي" الدعوات لحضور المهرجانات العربية وغيرها، ولا من أولئك الذين يأكلون على كل الموائد، يكيلون المديح أو الذم حسب استفادتهم الشخصية ،أو عدم استفادتهم. ولو كنت من النوع الذي تدفعه دوافع شخصية ،لما كتبت ما كتبت عن المهرجانين المذكورين، بل لكنت أخذت في كيل المديح لهما ، وتجاهلت ما حدث، وحافظت بالتالي على علاقة منفعة: حضور للمهرجانين، وكتابة ما يراد وما هو متوقع كما يفعل كثيرون، أنا وأنت نعرفهم جيدا
ولكن لأنني بلا "حسابات خاصة"، ولم أكن ولن أكون، فقد قررت عدم الاستجابة لأي دعوة من مهرجان عربي، بل وعدم السعي بأي شكل من الأشكال للحصول على دعوة من هذا النوع، بعد أن فاحت روائح تلك المهرجانات، وأصبحت تجمعا كبيرا لأجواء "النميمة والطعنات في الظهر والصفقات المشبوهة بل والدعارة!". وأعلنت مقاطعة مهرجانات أجدها عن يقين "فاسدة" حتى النخاع
وتتذكر أنت حوارا دار بيننا قبل عامين تقريبا حول هذا الأمر. وكنت أنت وقتها من أنصار أننا لا ينبغي أن نقطع علاقتنا بالمهرجانات العربية، أو أن نتركها فريسة لغيرنا من العناصر الأخري إياها، كي تصول وتجول فيها ،وأننا بهذه المقاطعة سنخسر
وقد احترمت رأيك وقتها، وفهمت ماتقصده، ووضعته في اطاره، غير أنني في الوقت نفسه، التزمت بالعهد الذي قطعته على نفسي ، ولم أجد بديلا لموقفي هذا وقتها، كما أنني لا زلت على قناعتي حتى هذه اللحظة
وقد قبلت فقط ، كحالة استثنائية وحيدة، دعوة بإلحاح من صديق أحترمه كثيرا هو أحمد الحسني مدير مهرجان تطوان، للمشاركة في لجنة تحكيم النقاد في مهرجان تطوان (مارس 2005) بعد أن اتصل بي عدة مرات على تليفون منزلي وفي العمل، وكتب لي يرجوني بشكل شخصي أن أقف معه وأدعمه بحضوري
وكان مهرجان تطوان الذي حضرته مرتين من قبل في أوائل التسعينيات، من المهرجانات المحببة إلى نفسي، بسبب أن جمعية من محبي الفن السينمائي هي التي تقيمه، وبما يحمله هذا من براءة والتزاما أصيلا بحب السينما ، بعيدا عن ذلك الشكل الآخر "المحترف" في الفساد والإفساد
وكان ذهابي إلى تطوان، وما اطلعت عليه هناك من تغيرات لحقت بهذا المهرجان ،الذي كنت عقدت فيه ندوات ناجحة أثارت نقاشا جديا، أسعدني أن يكون له صدى في المغرب، حيث البيئة لم تتلوث بعد ،ولم تفسد الطبقة المثقفة تماما كما في بلدان المشرق العربي
لكني لمست هناك بداية امتداد لنفوذ حكومي رسمي على المهرجان، تمثل في وجود رجل الملك القوي وزير الاتصالات في الافتتاح والختام، والدعم المالي الذي حصل عليه المهرجان، من المركز المغربي للسينما ، رغم أن مديره لأسباب شخصية بحتة لا يحب مهرجان تطوان، وهي حكاية طويلة ربما أقصها عليك فيما بعد
وقررت بعدها أيضا، أن يكون تطوان 2005 آخر رحلاتي إلى مهرجان عربي، أو إلى أي مهرجان ينظمه عرب
في العالم العربي أو في أوروبا، بسبب ما يحيط هذه التظاهرات من مظاهر وأشكال احتفالية فارغة ،وهي مظاهر تندرج في إطار المجاملات والنفاق، ومغازلة التخلف، كما أن هذه المهرجانات تعتمد عادة على مسؤولين رسميين فاسدين، وتميل إلى منح جوائز بالجملة، إرضاء لحسابات خاصة، وعموما تبدو السمة الطاغية عليها سيطرة عدد من غير ذوي الشأن أو العلاقة الحقيقية بالسينما أو الموظفين الجهلة ، وهو ما يعود إلى إجادتهم لفن تبادل المنافع والعلاقات العامة ، وارضاء المصالح الشخصية، وتحقيق ما يريده أصحاب النفوذ
وقررت أن أكتفي بمشاهدة أعمال ما أسميه بالسينما الناطقة بالعربية، في المهرجانات الدولية الكبيرة التي اذهب اليها وأسمح لنفسي بأن أكتب عنها بصدق، وبدون أي حسابات، دون أن أقابل بالمقاطعة، والاستياء من جانب القائمين عليها ، ولمعرفتي اليقينية بأن مهرجاناتنا السينمائية، تختلط فيها أعمال المخابرات بالجنس، بالتعريص والقوادة والفلهوة، وغير ذلك من شتى أنواع البذاءات (وهي كلمات لا أستهجن استخدامها ، فلا يوجد أفضل منها لوصف الحال، رغما عن ما قد يراه البعض، من خروجها عن الرصانة، بل إنني أنتهز هذه الفرصة، وأطالب بدخول هذه الكلمات والألفاظ إلى مجال اللغة العربية التي تكتب وتدرس في المدارس والجامعات، أسوة بما وقع من تطور في غيرها من اللغات ، التي تطورت مع تطور الواقع الاجتماعي أو تدهوره
أقول لمعرفتي بما يحيط تلك المهرجانات عادة، ولعدم احساسي بالاندماج ، أو سعادتي بالتواجد في اطار تظاهرات من هذا النوع، قررت عدم الذهاب إلى تلك المهرجانات، وعدم السعي للذهاب اليها بأي حال، والاعتذار بصرامة إذا ما تلقيت دعوة لحضورها، وهو ما التزمت به فعلا
من جهة أخرى، وجدت نفسي أعمل منذ سنوات لحساب مؤسسة عريقة، يحترمها الجميع في العالم العربي وخارجه، ولا تقبل أصلا الدعوات، بل تتكفل بكل المصاريف والتكاليف الخاصة بمراسليها وموفديها. ولو كنت أريد أن أذهب لتغطية مهرجان مثل بينالي الفيلم العربي في باريس، أو مهرجان قرطاج أو القاهرة أو غير ذلك ، لما كلفني الأمر أكثر من عرض رغبتي على هذه المؤسسة التي أعمل لها، والتي تتولى ترتيب الأمور والاتصالات، بحيث أصبح موفدها الرسمي، وأحصل على التسهيلات الصحفية التي يحصل عليها الجميع، على أن تتحمل مؤسستي كل التكاليف، وهو ما يحدث عندما أذهب إلى مهرجانات مثل كان فينيسيا وغيرها
وأنت تعرف أيضا أنني ومنذ أوائل الثمانينيات، أذهب إلى الكثير من المهرجانات الدولية في الشرق والغرب على نفقتي الشخصية، بل وعندما كنت رئيسا لجمعية نقاد السنيما المصريين 2001- 2003، ذهبت ممثلا للجميعة في لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما (الفيبريسي) في مهرجان كان، وكان ذلك على نفقتي الشخصية، ولم أحصل على أي شئ من الجمعية. وقد عرض مجلس الإدارة وقتها دفع تكاليف السفر فقط ،على أن أتكفل أنا بالاقامة والنفقات، غير أنني اشفاقا مني على الجمعية، ورغبة في توفير كل قرش من قروشها، عرضت الأمر – بشكل غير مباشر وعن طريق صديق مشترك- على الأستاذ سمير غريب مستشار وزير الثقافة في ذلك الوقت، فتولى هو مشكورا عرض الأمر على الوزير، وانتهى الأمر بأن دفعت العلاقات الثقافية الخارجية تكاليف تذكرة السفر، ليس لشخصي وإنما كرئيس لجميعة تمثل مصر رسميا في محفل دولي. وقد قبلت هذا ، على اعتبار أن هذه "قسط يسير من حقوقنا ،ردت إلينا من ناهبيها
إذن فإنني عندما أكتب ما أكتب ، فلست مدفوعا في ذلك بأي حال من الأحوال، بأي رغبة في الانتقام من أحد ، بسبب تجاهلي أو عدم دعوتي مثلا
وبالنسبة لما يسمى بـ "بينالي السينما العربية في معهد العالم العربي " ، لم يسبق لي في تاريخي كله أن حضرت ذلك البينالي المزعوم سوى مرة واحدة عام2002 بعد أن كانت مديرة البينالي ماجدة واصف قد شاركت عام 2001 كعضو في لجنة التحكيم الدولية في مهرجان الاسماعيلية الذي توليت ادارته تلك السنة، وربما تكون قد تصورت بحكم طبيعة تكوينها وتفكيرها، أنني سأستمر في ادارة المهرجان، فوجهت لي الدعوة في منتصف العام التالي، ثم لم تكررها قط بعد ذلك ، اذ كنت تركت العمل في مهرجان الاسماعيلية إلى الأبد
وقد كان حضوري ذلك البينالي في باريس عام 2002 ، مدعاة للشعور بالإحباط الشديد، بسبب ما فوجئت به من أن المهرجان يقام في مكان مغلق كئيب في الطابق السفلي الواقع تحت الأرض من مبنى معهد العالم العربي، وهو مكان يقام فيه عادة (جاراج السيارات) كما تعرف
ومن جهة أخرى، كانت معظم الأفلام المشاركة هي نفس ما سبق أن شاهدناه في مهرجانات أخرى، فلم يكن فيها جديد، وكانت العروض تتم في أوقات غير إنسانية، ولا مكان أصلا للتواصل مع البشر، وكان سوء التنظيم والادراة، والفوضى العارمة، والاضطرار للانتظار عدة ساعات في مكتب خانق، للحصول على البطاقة الصحفية، وغير ذلك من مظاهر، دعتني إلى الإحساس اليقيني بأن "التخلف" نجح في التغلغل داخل المؤسسات الثقافية الفرنسية، حيث الفهلوة هنا مدعومة ببعض الادعاءات، أصبحت سببا كافيا لتولي قيادة العمل، والمكوث سنوات طويلة في المنصب، وكأن الإنسان يصنعه المنصب، وليس العكس.
ولم أدهش وقتها عندما رأيت أن لواء سابقا في الجيش المصري هو ناصر الأنصاري، أصبح بقدرة قادر مديرا أو رئيسا لمعهد العالم العربي، بناء على ترشيح مؤسسة الحكم المصري بجبروتها العسكري الغاشم
أما ما يسمى بمهرجان القاهرة السينمائي، فقد حدث أنني ذهبت اليه مرتين: الأولى عام 1986 عندما دعاني سعد الدين وهبة، فقط بعد أن جمعتني به -مصادفة- جلسة في أحد مقاهي تونس، اثناء حضورنا مهرجان قرطاج السنيمائي تلك السنة، وكانت هناك "دردشة" بيننا سالته فيها عن نفسه، ولماذا توقف عن الكتابة للمسرح، عاد هو بعدها إلى القاهرة ، ووجه لي الدعوة، فذهبت من لندن إلى القاهرة للاطلاع للمرة الأولى على المهرجان الدولي الكبير الذي يقام في بلدي منذ 10 سنوات قبل ذلك، ويدعو كل من هب ودب من مدعين وأفاقين ومنافقين، وقوادي فكر وفن وسينما، تعرفهم وأعرفهم جيدا ، من خلال اقامتنا الطويلة في أوروبا، بينما يتجاهل المدافعين الحقيقيين - بدون هدف شخصي أو مصلحة - عن قضايا السينما والثقافة، والذين أفنوا عمرهم، وتنازلوا عن مكاسب ومناصب، وضحوا بكل غال ورخيص في سبيل ذلك
وكان من أكثر ما أثار الجدل بين المثقفين في تلك الدورة من مهرجان القاهرة السينمائي، مشاركة أفلام من إنتاج شركة كانون، لصاحبها الاسرائيلي مناحيم جولان. وقد أصدر المثقفون المصريون الوطنيون وقتها بيانا يدين هذه المشاركة. وطبيعي أنني وقعت على ذلك البيان، وشاركت في اجتماع عقد لمناقشة الأمر وتداعياته
وقد سارع جواسيس السيد سعد الدين وهبة، ومنهم من يتولى حاليا مراكز عليا في الدولة، فرفعوا إليه تقارير عن المشاركين و"المحرضين" وبينهم بالطبع أمير العمري
كيف إذن يدعى أمير العمري إلى المهرجان، ثم يهاجمه، ويشارك في إصدار البيانات ضده
كان هذا جانبا من نمط تفكير سعد الدين وهبة- ضابط الشرطة السابق- ورئيس مهرجان القاهرة حتى وفاته- وهو لم يكن يؤمن بأن مهرجان القاهرة السينمائي مهرجان لكل السينمائيين والنقاد المصريين- بل اقطاعية خاصة له، حصل عليها بوضع اليد، بعد الاستيلاء عليه من جمعية كتاب ونقاد السينما، تحت ستارة كيان هزيل أسسه ورأسه حتى وفاته باسم "اتحاد الفنانين العرب." لم تعرف له وظيفة حتى اليوم، هذا بافتراض أنه لا يزال على قيد الحياة ،بعد وفاة سعد الدين وهبة – رحمه الله
لكن سعد الدين وهبة، الذي انتقدنا المهرجان في عهده، بسبب إحضاره أفلاما "صهيونية" أو من إنتاج شركة اسرائيلية، عاش ومات بعد ذلك والمثقفون المصريون من الحواريين وقارعي الطبول وهواة أكل اللحوم بكثافة في الحفلات والمهرجانات، الذين افتعلوا وقتها- وأمام دهشتي وذهولي "خناقة" حامية الوطيس، بعد منع بعضهم من دخول حفل عشاء ، أغدق على حاضريه وقتها من لحوم وكباب- يعتبرونه بطل مناهضة التطبيع الثقافي مع إسرائيل
أما أمير العمري، فقد اصبح مرة أخرى، مغضوبا عليه.. لا بأس، فنحن لا نحتاج إلى مهرجانات أكل اللحوم والطيور، فلندعها لغيرنا، وهذه المهرجانات تستطيع العيش بالمفلسين والمنافقين والمهرجين، ولكن عليها في هذه الحالة ألا تغضب ،عندما نقول إنها قد أصبحت مهرجانات "سيئة السمعة" في العالم كله
وكانت المرة الثانية التي أذهب فيها إلى مهرجان القاهرة السينمائي عام 1993 ، عندما دعاني الأستاذ سمير فريد للمشاركة في حلقة من حلقات البحث في السينما العربية، كان قد بدأ قبل عامين أو أكثر في تنظيمها ، على هامش المهرجان، ونجح في أن يحصل لها على ميزانية خاصة، وبشكل مستقل عن إدارة المهرجان وسعد الدين وهبة
ومنذ تلك السنة لم أعد مجددا إلى مهرجان القاهرة ، ولم أسع لذلك، ولا حتى أثناء اقامتي لثلاث سنوات في القاهرة والمهرجان على مرمى بضعة أحجار مني
وكنت وأنا رئيسا لجمعية نقاد السينما المصريين، أحصل سنويا لعدد من أبرز وأنشط أعضاء الجمعية على بطاقات حضور، كان يتولى توفيرها لي الاستاذ مجدي الطيب مدير المكتب الصحفي في ذلك الوقت، وكان مجدي يرسل لي مشكورا بطاقة صحفية لم أكن استخدمها على الاطلاق، بل وكنت أحرص على الابتعاد عن المهرجان وقت انعقاده ،لكي أبعد عني أي شبهة
وقد تركت جمعية نقاد السنيما المصريين، وكنت رئيسها الوحيد في تاريخها كله (منذ عام 1972) الذي يستقيل منها طواعية ، وهو في قمة العطاء -( كنت قد نجحت في إصدار مجلة شهرية، وإقامة أسابيع سينمائية، وتنظيم ندوات مفتوحة في قضايا ساخنة، وأعدت وضع الجمعية على خريطة الثقافة المصرية ، بعد أن كانت قد ماتت وانتهى أمرها بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء
ولم تكن الاستقالة إلا إشارة على أنه ينبغي أن يتغير "الرئيس" ، ولا يجب الاعتماد على وجوده الأبدي، وهي السمة السائدة في جميع الجمعيات المدنية في مصر وغيرها ، بل وحتى في الأحزاب السياسية التي ترتبط بشخص حتى وفاته
وقد رفضت الاستمرار بالعمل في مهرجان الاسماعيلية ، بعد ان لمست بشكل مباشر مدى الفساد والبيروقراطية والتدهور الكامن في الكيان الذي يسمى بالمركز القومي للسينما، والمسؤولين عنه. وقلت بوضوح شديد للصديق الأستاذ كمال رمزي - وقتها ، وأظنه لا يزال يعتبر نفسه صديقا- أن كل ما أريده هو أن يكفوا عني، ويتركونني وشأني، فلا رغبة لدي في العمل معهم مجددا، بعد ما حدث من مهازل في دورة 2002 التي أدرتها، بسبب تدخلات ووساخات عديدة، ليس هنا مجالها، وأظن أن الرسالة وصلت، واصبح موقفي مفهوما قبل وقت كاف من تنظيم الدورة التالية من المهرجان
ثم رفضت منصبا عرض علي، كان يمكنني لو أردت- أن أكسب الكثير من وراءه ، لو كان الكسب الشخصي هو هدفي وغايتي
ثم غادرت مصر كلها في ربيع 2003 ، وقررت الاستقلال نهائيا عن "المؤسسة" الرسمية ،التي تيقنت من فسادها حتى النخاع، في انتظار سقوطها ونهايتها ونهاية كل من يرتبطون بها، من سواء "براغيت الست" أو من حواريي رئيس لجنة السياسات
وبدأت أعمل وأبدع، اشاهد وأكتب وأتحاور، وأتنفس في بيئة نقية حرة. لكن الحرب ضد الفساد أصبحت واجبا يفؤض نفسه على كل مصري شريف اليوم ، من أجل أن يساهم في دق آخر المسامير في نعش هذا النظام الحاكم الطاغي المستبد. وهي مهمة أراها وطنية، وموقفا سياسيا ربما يعرض صاحبه لأن يدفع الثمن، وهو أبعد ما يكون عن الرغبة في الانتقام من أحد، أو تصفية الحسابات مع أحد، فنحن في الخارج أفضل حالا بدرجة كبيرة منهم هناك في الداخل. غير أنك تستطيع أن تستطيع أن تبتعد عن الوطن بجسدك لكنك لا تستطيع أن تنتزعه من داخلك ومن نفسك.
إن من يرفض أصلا أن يلعب على "حجر" النظام، وبشروطه، ويرفض أن يدخل "حظيرة" فاروق حسني التي دخلها عشرات اليساريين واشباه المناضلين السابقين، لا يبقى له إلا كرامته، يدافع عنها حتى الموت
نعم سنربي أولادنا على ما نحبه، ونحلم به، ونحن نحب الحياة والفن الجميل والصدق والتأمل، ونحلم في غد أفضل لنا ولهم، ولكننا أيضا سنربيهم على التمسك بالكرامة، وعزة النفس، وقولة الحق.. مهما كان القمع والقهر شديدا، ورغم أنف الظالمين والفاسدين
أمير العمري
لندن 23 أغسطس 2006