Sunday, December 31, 2006

مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثون ماذا حقق؟: الحياة معجزة

صلاح هاشم مصطفي
salahashem@yahoo.com


مهرجان القاهرة السينمائي 30
عرض أكثر من 247 فيلما من 57 دولة



مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثون

ألحياة معجزة


بقلم : صلاح هاشم مصطفي


نستطيع ان نقول ان مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثين، الذي تابعنا فعالياته، ورصدنا افلامه، وحضرنا بعضا من ندواته, وأتينا من باريس خصيصا لكي نشارك في احتفالات هذه الدورة بمناسبة مرور 30 عاما علي تأسيس المهرجان نجح الي حد كبير خلال دورته المنصرمة التي انعقدت في الفترة من 28 نوفمبر الي 8 ديسمبر 2006، وعلي الرغم مما تخللها من أخطاء ونواقص، لايمكن ان تغيب عن بال البعض من المتابعين لحركية وتطور المهرجان منذ زمن.
نجح المهرجان علي العديد من المستويات، غير انه من الضروري قبل الحديث عن تلك الانجازات التي تحققت، التأكيد علي ان الاهمية القصوي لمهرجان القاهرة، لاتكمن في عروض الافلام التي يعرضها علي شاشته من انحاء بلدان القارات الخمس ، بل تكمن في الصلة التي يعقدها المهرجان مع ذلك الكيان الحضاري الانساني الروحاني الشامخ، الذي يستند ويرتكز ويحيل اليه, ونعني به نلك المدينة المدينة الرائعة قاهرة المعز التي يتفاخر المهرجان ويزهو بأسمها، ليكون دعوة التقاء وعناق قبل اي شييء مع المدينة، والاختلاط في ازدحام الشوارع بألفة وغبطة اهلها الطيبين، والتجوال في شوارع المدينة وأسواقها وميادينها الكبري للتعرف علي والتقرب الي أناسها، في توهج وخليط الحشد الانساني.
بمعني ان "فيلم القاهرة 30 " – مع الاعتذار لصلاح ابوسيف، الذي اخرج فيلما بهذا الاسم وتألقت فيه سعاد حسني في دور أثير. هذا الفيلم المدلوق بالعشرات من المناظر والمشاهد علي ارصفة وارضية المدينة، والذي يبسط نفسه من خلال الوقائع والاحداث التي تصادفك وانت تقطع المسافة من فندق "حياة " حيث يهبط الضيوف، مرورا بساحة الكورنيش، وعبورا لكوبري قصر النيل، للوصول الي قاعة الاوبرا الصغيرة، حيث كانت افلام المهرجان تعرض علي الصحفيين.
في تلك المساحة الصغيرة التي يمكنك ان تقطعها سيرا علي الاقدام، لمشاهدة فيلم " بركات " الجزائري المشارك في مسابقة الافلام العربية قد يكون الفيلم او الافلام التي تشاهدها، وتتفرج علي أحداثها في تلك البقعة الصغيرة، أهم ألف مرة من تلك الافلام الجديدة التي يأتي بها المهرجان الي جمهور القاهرة من كل حدب وصوب..
اذ انه يتجاوزها بمصداقيته وعفويته وبساطته.
هنا في "فيلم القاهرة " الذي يتيحه لك المهرجان، سوف تتفرج علي معجزة الحياة ذاتها، فعلي الرغم من المشاكل والظروف والمعاناة اليومية للانسان المصري في الزحام، تتوهج روح الحياة ذاتها ضد السكون والفناء والموت والعدم ..

الاحتفاء بمدينة..

ولعل درس القاهرة- بأمنها وسلامها وتسامحها- الذي يمنحنا المهرجان، من خلال العلاقة التي يبنيها مع المدينة ، تشكل بالنسبة لكل زائر العامود الفقري لرحلته، وهي المراد وقصد السبيل في نهاية المطاف. كل شيئ يسير هنا علي مهل في الداخل ، علي الرغم تلك السرعات الجنونية التي تنطلق بها السيارات والمركبات ، في الخارج في الزحام وحركة الناس. لكن في الداخل، تمضي الحياة ولاعجب فالمصريون فلسفوا حياتهم منذ القدم، و كانوا علي ضفاف نيل مصر العظيم وتحت الشمس الافريقية التي تتألق بالنور ، كانوا اول من اخترع الابدية ..
قيمة مهرجان القاهرة قبل الافلام التي يعرضها علي شاشته، وبعدما صار " ضرورة " هي في اكتشاف أسلوب حياة المدينة وفلسفة ونظام, والتعرف علي ذلك الاسلوب وتلك الحياة هو المدخل الاساسي لكل قادم جديد، ومن غير التوغل من خلال الشارع في روح المدينة يصبح حضور المهرجان عبثا وبلا جدوي.
مهرجان القاهرة فبل ان يكون عروضا للافلام، هو احتفاء بمدينة، أحتفاء بتراثها وتاريخها وفنونها ومعمارها،لحظة التقاء يوفرها المهرجان للدخول في نخاشيشها والمشاركة في ذلك الطقس ، طقس العناق الروحاني، الذي لايغيب عن بال البعض من النقاد الفرنسيين الذين حضروا الي المهرجان لأول مرة خلال الدورة 30 ، ومن ضمنهم الناقد السينمائي الفرنسي الكبير الآن ماسون الذي يحضر المهرجان لأول مرة، و الذي كان يدرس السينما في جاممعة باريس 3 ، ويكتب في مجلة " بوزيتيف " الشهيرة ، فقد رأيته يتجول مع زوجته في سوق خضار باب اللوق، ويتفرج علي الناس ، ويريد ان يدخن شيشة، ويسأل عن مطعم شعبي وهو يتفرج علي فيلم القاهرة- في اوقات الفراغ مابين عرض فيلم في الصباح وآخر في المساء- ويقول لي ان من يحضر الي المهرجان السينمائي، ولايشاهد ذلك الفيلم، بل تلك الافلام المدلوقة في شوارع القاهرة، فكأنه لم يذهب ولم يتعرف علي المهرجان، ولم يزر المدينة ، ولم يحضر الي مصر قط ..
وقد جعلتني كلماته افكر- قبل الحديث عن انجازات المهرجان- في تلك القيمة التي يعليها المهرجان من خلال " المشاركة " ، اذ انه يبسط ساحته ليكون فضاءات للتعارف والالتقاء مع النقاد والنجوم والسينمائيين، وهو بذلك يحقق حاجة معرفية وقيمة تواصلية في مد يد الي " الآخر " – الجار – بسحر الضوء والسينما الفن..
وقيمة التعرف علي الآخر، والانفتاح علي ثقافات الشعوب المغايرة من خلال مرأةالسينما، ربما تكون أهم قيمة في المهرجان، بعد الدخول في لحم المدينة، والتواصل معها في عناق أبدي، والتعرف علي مناخاتها الثقافية والحضارية والروحانية، هنا حيث تسكب القاهرة في القلوب المولعة والمفتونة بمصر أم الدنيا ، تسكب عسلها وتشمخ، حين تعلي من قيمة " الفضول " - درس السينما الأساسي- وتزهو بلا هوادة


بركة الدكتور زيفاجو..

تري ماذا حقق مهرجان القاهرة في دورته الثلاثين.؟ يقينا لقد حقق الكثير في ظرف ثلاثة شهور فقط، بعد ان تولي رئاسة المهرجان الفنان الممثل المصري عزت أبو عوف، مدعوما بالخبرة التظيمية التي اكتسبتها سهير عبد القادر نائبة الرئيس، من خلال عملها مع رؤؤساء المهرجان السابقين، من امثال الكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة، والفنان حسين فهمي،والاعلامي الصحافي الكاتب شريف الشوباشي، وبالدعم المالي الكبير الذي حظي به المهرجان من رجل الاعمال المصري نجيب سويرس
الذي وافق علي رعاية المهرجان بالكامل، مع تولي الفنان المصري الكبير عمر الشريف " دكتور زيفاجو " رئاسة المهرجان الشرفية، والواقع ان الكثير من تألق وزهوالمهرجان خلال الدورة الثلاثين المنصرمة يعود الي " حضور " نجم "الدكتور" عمر الشريف الساحق في حفل الافتتاح، الذي استقطب الي المهرجان محبينه وعشاق فنه واصدقائه من نجوم العالم ، مثل المغني الفرنسي شارل ايزنافور، ايقونة الغناء في فرنسا والعالم، و الممثلة الانجليزية جاكلين بيسيه بطلة فيلم " اللقطة الامريكية " للفرنسي فرانسوا تروفو ، ولاشك ان انضمامه الي المهرجان كان مكسبا كبيرا ويحسب
لادارة المهرجان نجاحها في اقناعه بأن يلعب دوراكان مرشحا له بنجوميته منذ زمن طويل
وقد عرض مهرجان القاهرة السينمائي خلال فترة 11 يوما أكثر من 246 فيلما من 57 دولة واستضاف اكثر من 200 شخصا و250 محترفا ، كما نظم اكثر من عشرين ندوة، من ضمنها ندوة مهمة عن قرصنة الافلام، وندوة اخري عن الانتاج المشترك ، شارك فيها المخرج الجزائري رشيد بن حاج " الخبز الحافي " ، ونبه فيها الي أشياء في غاية الاهمية، من بينها ان عيون السينمائيين العرب، تتطلع دوما الي سينما القاهرة، وتجارب السينمائيين المصريين، لأن مصر بتراثها السينمائي الكبير، الذي لاينتمي الي مصر وحدها، بل الي كل العرب والانسانية جمعاء
هذا التراث الذي شكل وجداننا ووعينا، جعلها تحتل المركز وموقع الصدارة في مايخص الواقع السينمائي العربي تاريخا وجملة وتفصيلا
ومن هنا انطلق التجديد لتحديث السينما العربية، من خلال اختراع " النظرة " علي يد عمالقة الاخراج من أمثال صلاح أبو سيف – الذي يعتبر رشيد بن حاج انه ومجموعة من المخرجين العرب الذين يصنعون افلامهم علي شاكلته وبأسلوبه، كما التونسي نوري أبو زيد " صفائح من ذهب " و" رجل الرماد " ، هم في الحقيقة امتداد لتلك السينما الواقعية التي ارسها دعائمها كمال سليم في فيلم " العزيمة " في الثلاثينات، ثم رسخت لها التقاليد التي ابتدعها صلاح ابو سيف في افلامه التي لا تنسي مثل " الفتوة " و" بداية ونهاية " و" السقامات " وغيرها..
كما نظم المهرجان تظاهرة للسينما في امريكا اللاتينية، وشارك في لجان تحكيمه مجموعة كبيرة من نجوم السينما العربية مثل السوري دريد لحام والتونسية فريدة بليازيد والمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي والممثلة التونسية النجمة هند صبري والمخرج المصري الكبير داود عبد السيد
ولم يكن المهرجان مجرد حفل افتتاح فقط ، تألق فيه بصحبة عمر الشريف مجموعة كبيرة من النجوم، بل كان استكشافا ايضا لجديد السينما العالمية، من خلال اختياراته للعديد من الافلام الجيدة والمهمة التي شاركت في مسابقته الرسمية بالاضافة الي مشاركة بعضها في مسابقتين جديدتين استحدثهما المهرجان لأول مرة : مسابقة للافلالم العربية ومسابقة جديدة لافلام الديجيتال، وربما كانت المسابقة الاخيرة، تستحق ان يفرد لها مهرجانا بأكمله لسينما الديجيتال، بنوعيها الروائي والتسجيلي..
ولأول مرة لايعاني المهرجان في ايجاد والبحث عن فيلم مصري، للمشاركة في مسابقته، كما كان يحدث في السنوات الخمس او الاكثر الاخيرة، وذلك بمشاركة أربعة افلام مصرية جديدة دفعة واحدة في المهرجان، هي فيلم " مفيش غير كده " بطولة النجمة نبيلة عبيد واخراج المصري خالد الحجر، وفيلم " استغماية " لعماد البهات، وفيلم " آخر الدنيا " لأمير رمسيس، وفيلم " قص ولزق " للمخرجة المصرية المتميزة هالة خليل، وكان الفيلم الاخير شارك في المسابقة الرسمية وحصل علي جائزتين..


المثلث الذهبي


وبرز من ضمن مجموعة الافلام الجديدة التي عرضها المهرجان ثلاثة افلام مهمة، شكلت مايمكن أن نطلق عليه بالمثلث الذهبي في المهرجان، هي فيلم " الطريق " اخراج زانج جياروي من الصين، وفيلم " السكان الاصليون " لرشيد بوشارب من فرنسا ، وفيلم " بركات " للجزائرية جميلة صحراوي..
فيلم الطريق يحكي عن قصة حب، تمتد من عصر الثورة الثقافية في عهد ماو في بداية الستينيات من القرن الماضي، الي عصر انفتاح الصين علي النظام الرأسمالي، وحضارات الاستهلاك الكبري في التسعينيات، وهو يأخذنا مع بطلته خلال تلك العهود التي مرت بها الصين، ليحكي عن " تحولات" المجتمع الصيني وتبدلاته، ويوثق لها، وهو يستفيد هنا من اسلوب السينما الهوليوودية، لكي يحكي بسرد سلسل عذب لذيذ مقنع وممتع في آن حكاية حب مسنودة في الخلفية علي تاريخ أمة، ويبدو اقرب مايكون الي الافلام التسجيلية، ليكون درسا ووثيقة للاجيال القادمة، ويقربنا أكثر من أنسانيتنا..
فيما يحكي " السكان الاصليون " عن مشاركة الجنود العرب من بلدان شمال افريقيا، التي كانت مستعمرات فرنسية، مشاركتهم في تخليص فرنسا في الحرب العالمية الثانية من جحيم النازية، وتحرير البلاد، وكان الفيلم قد نبه بشكل غير مسبوق من خلال قصته التي اعتمدت علي وقائع وشخصيات حقيقية
نبه الي انكار فرنسا لفترة طويلة الي جزء من تاريخها الاستعماري، فقد حرر الجنود العرب البلاد، وخلصوا رقاب العباد من المواطنين الفرنسيين، ولم يحصدوا في مقابل ذلك غير الظلم والغبن والفاقة..
وهنا يكشف الفيلم عن المسكوت عنه في التاريخ الرسمي الفرنسي، كما يفتح عيون ابناء المهاجرين العرب في فرنسا علي اسهامات وانجازات اجدادهم، الذين قاتلوا في صفوف الجيش التحرير الفرنسي، وضحوا بحياتهم، لكن علي الرغم من كل مامنحوه وبذلوه من عرقهم واعصابهم ودمائهم ، مازال احفادهم وللأسف يعانون في فرنسا من التمييز العنصري ، ويقطنون ضواحي العزلة والبطالة والبؤس، علي هامش العاصمة باريس، والمدن الفرنسية العملاقة في ليون ومارسيليا وبوردو وغيرها، ويعانون من ذلك التمييز العنصري في العمل والسكن
بسبب اسمائهم العربية، ومازال صحيحا مايقال، من انه من الافضل ان تسمي ابنك بجاك او كلود او فرانسوا في بلاد الغال الجميلة ، من ان تطلق عليه اسم محمد او مصطفي او عبد الرحمن.. فمازالت العنصرية البغيضة تطارد هؤلاء الاحفاد ، وينبذهم المجتمع الفرنسي الجبان، الذي يتشدق بقيم الجمهورية من مساواة واخوة وعدالة، ويلوح بها في كل مناسبة في بلد حقوق الانسان..
اما فيلم " بركات " الجزائري فقد أسرنا ببساطته وجماله وعمقه ، حيث يبرز دور تلك الطبيبة التي لاتخشي الصعود الي الجبل لمواجهة الارهابيين الدمويين الجزائريين، بعد ان اختفي زوجها الصحفي وكانوا اختطفوه وعذبوه ، ويصور الفيلم محاولتها البحث عنه لاطلاق سراحه، ومهما كانت التضحيات، في اجواء يخيم عليها شبح الرعب، وعنف المجازر الدموية، ويعاني فيها المرء من غربته داخل وطنه، وحتي تحت جلده ، وينتهي الفيلم بالقاء بطلته الطبيبة سلاحها – مسدس الوالد – في البحر، و هي تطلق صرخة في عموم الجزائر ان كفانا ارهابا
فالارهاب لايحارب بسلاح الارهاب، ولن ينفع معه ارهاب الدولة، بل يحارب من خلال النقاش والحوار والجدل, وربما كان هذا أحد أهم الدروس المستفادة من افلام المهرجان الكبير، الذي تميز في الدورة الثلاثين يقينا بمسحة من التفاؤل والأمل..
الأمل في أن يستعيد المهرجان في دوراته القادمة وعلي الرغم من كافة الاخطاء والنواقص والعيوب التي برزت خلال الدورة الثلاثين
، يستعيد مكانته ورونقه وعافيته، كأكبر واضخم تجمع سينمائي في منطقة الشرق الاوسط ، ويرتفع اكثر بمستواه في السنوات القادمات، لكي يرقي الي ممستوي "حضارة السلوك الكبري" التي عكستها و خلقتها السينما المصرية بأفلامها الروائع التي دخلت تاريخ السينما العالمية من أوسع باب


جوائز المهرجان

الجائزة الكبري " الهرم الذهبي " : ذهبت للفيلم الصيني " الطريق
جائزة الابداع " الهرم الفضي " : فاز بها فيلم البريطاني " كل شييء علي مايرام
جائزة أحسن أخراج : ذهبت للفيلم الايراني " في مكان قصي جدا
جائزة أحسن سيناريو : حصل عليها فيلم المجري " اليوم الثامن في الاسبوع
جائزة نجيب محفوظ لافضل عمل اول او ثان : فازت بها المخرجة المصرية هالة خليل بفيلمها " قص ولزق
جائزة لجنة التحكيم الخاصة : ذهبت للفيلم الصيني " الطريق
جائزة النقاد الدوليين : ذهبت لفيلم " حياة المقاومة " المكسيكي
جائزة افضل فيلم عربي : حصل عليها الفيلم الجزائري " بركات " مناصفة مع فيلم " قص ولزق " لهالة خليل
جائزة احسن فيلم ديجيتال: ذهبت لفيلم " تحت ذات القمر " من ايطاليا


Thursday, December 14, 2006

اطلالة علي القاهرة السينمائي 30




صلاح هاشم


صلاح هاشم يكتب عن أفضل فيلم عربي «مناصفة» في مهرجان القاهرة «بركات» الجزائري يصرخ: كفانا إرهارباً
< استعراض جميل ورقيق لفترة العنف العصيبة التي عاشتها الجزائر في التسعينيات < المخرجة جميلة صحراوي لا تفرض عملها علينا بالكلام والخطب بل بالتأمل والتفكير < الفيلم قصيدة بصرية رقيقة تعتمد علي الصورة ولحظات الصمت وتشبه قصص تشيكوف وبيرانديللو










****










كنت علي يقين بعد ان تابعت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثين وشاهدت بعض الافلام الاجنبية في المسابقة مثل فيلم «الطريق» «الصيني»، و معظم الافلام العربية في المهرجان، وكنت حزنت جدا عندما علمت ان فيلم هالة خليل " قص ولزق" قد عرض، وفاتني عرضه، بعدما كنت شاهدت فيلمها الاول " أحلي الاوقات " في مهرجان «تطوان» ، وأعجبت به وبفن مخرجته، منهجها في التعامل مع السينما كاداة تفكير في الواقع، وهموم الانسان المصري وطرحها لمشكلة " الهجرة في فيلمها الجديد.كنت علي يقين من خلال تجوالي الذي لايكل، لمتابعة الافلام العربية الجديدة التي حرص المهرجان علي احضارها، ومشاركتها في العديد من اقسام المهرجان- اكثر من 20 فيلما- ليقدم كشف حساب للسينما العربية خلال سنة، ويصبح بمشاركة اربعة افلام مصرية دفعة واحدة في مسابقة المهرجان، او بالاحري مسابقاته، يصبح هكذا اكبر تجمع سينمائي عربي في الشرق الاوسط، بحكم موقعه، والاضافات الكثيرة التي حققها المهرجان خلال ثلاثين سنة من تاريخه.. كنت علي يقين من ان فيلم " بركات " للمخرجة الجزائرية جميلة صحراوي، سيفوز بجائزة في مسابقة الافلام العربية, بعد ان تكسرت دماغي من مشاهدة بعض الافلام المصرية والعربية الرديئة في المهرجان، وأسوأها في رأيي فيلم " مفيش غير كده " لخالد الحجر، وفيلم " اطلال " للمخرج اللبناني غسان سلهب. وسنعود اليهما لاحقا..





اذ يحكي " بركات " وكلمة بركة بالدارجة الجزائرية تعني " كفي " ، يحكي عن طبيبة جزائرية تغامر في فترة التسعينيات بعد ان اختطف الارهابيون زوجها الصحفي، تغامر بالبحث عنه، وتصعد مع ممرضة عجوز كانت شاركت في حرب التحرير الجزائرية وحتي استقلال الجزائر عام 19962، الي الكهوف التي يختبأ بها الارهابيون في الجبل، وتواجههم، وتطلب منهم مساعدة الممرضة العجوز اطلاق سراحه، فيعتقلونها ويودعونها الحبس مع زميلتها، كما يقومون بتعذيبها، ويجبرونها لكونها طبيبة علي اخراج رصاصة من فخذ ارهابي جريح.. ذاكرة الثورة ترسم جميلة صحراوي في الجزء الاول من فيلمها العذب الجميل الرقيق، ترسم المناخ العام لتلك الفترة العصيبة التي مر بها بلدها في التسعينيات ، ومازالت الجزائر تعاني من تبعاتها ونتائجها وآثارها، وتختار هذه القرية الصغيرة بجوار البحر، التي يتحكم بها الارهابيون من المتطرفين الدينيين، ويحكمون بقوة الارهاب للهيمنة علي بلدها الجزائر الجميل. فالحكاية ليست حكاية دين وقيم واخلاق، بقدر ماهي صراع علي السلطة والتحكم في رقاب العباد في البلاد، ويبدو ذلك في تلك الغطرسة التي يتعامل بها الحاج الصائغ في القرية، مع رواد المحل، في حين ترفض الممرضة العجوز داخل السيارة الصاعدة في الجبل ان يطلق عليها لقب " حاجة " . وتتعرض لانها تدخن السجائر اثناء الرحلة لبعض الشتائم والاهانات من سيارة عابرة يقودها اخواني جزائري متطرف، كما تضطر الي تغيير ملابسها الافرنجية باللباس الجزائري اليشمك العربي، قبل ان تقود الطبيبة الي موقع الارهابيين في الجبل. وتكشف جميلة صحراوي في القسم الاول من الفيلم عن مناخات الرعب التي تعيشها بطلة الفيلم الطبيبة حين تضطر الي نقل طفل جارتها المحتاج الي عملية جراحية لاستئصال المصران الاعور الي المستشفي البعيدة في الليل، والتعرض لخطر الخطف او الموت عند نقاط التفتيش، وكانت تلك النقاط والمراكز علي الطريق حولت الجزائر بقراها ومدنها الصغيرة الي جزر منعزلة ومتباعدة ومرعبة، وحولت البلاد كلها الي سجن كبير، وجعلت الجزائريين يتغربون داخل قراهم واوطانهم ، ..وحتي داخل جلودهم..





في الجزء الثاني وبعد اطلاق سراح الطبيبة والممرضة في الجبل، تتعرفان علي مزارع جزائري فيأويهما ويطعمهما ، وحين يهبط الليل يروح يناجي زوجته التي ماتت منذ شهر فقط لكي يبثها أحزانه ولوعته، وبخاصة بعد ان خطف الارهابيون اولاده واختفوا ثلاثتهم وطال بحثه عنهم من دون جدوي، وكانت الممرضة المناضلة القديمة في جيش التحرير تعيش في ذات الجبل وكهوفه، وانقذت حياة مناضل من موت محقق آنذاك بعدما اخرجت من جسده عدة رصاصات علي اثر تحرش المقاومة بالعسكر الفرنسي ، ثم اذا بها تلتقي به فجأة هنا في الجبل وتكتشف سره، وتدرك انه قد تحول من جيش التحرير الي " حاج " ارهابي ، وانضم الي جيوش المتطرفين الجزائريين الارهابيين- وهنا تشتغل جميلة صحراوي علي " ذاكرة " الثورة ، وترينا كيف تحول البعض من المناضلين الجزائريين القدامي من " محررين " الي «جزارين وارهابيين وقتلة» لا لشيء من تلك الشعارات التي يرفعونها بأسم الاسلام، وهو منهم براء ، بل من أجل الوصول الي سدة الحكم والسلطة، والسيطرة علي البلاد بقوة الحديد والنار.. تقدم جميلة صحراوي في الجزء الثاني من الفيلم بعد اطلاق سراح الطبيبة والممرضة في الجبل ، تقدم عرضا لحياة الريف الوديعة المطمأنة في حضن النبع والجبل، وتلك السحابات الراحلة في الافق وحقول الزهور الممتدة الي حيث لا نهاية، حيث تعطي الطبيعة ثمرها بسخاء وكرم، وتلتقي الاثنتان- بما تمثلانه من ثنائية حيث تقف الممرضة العجوز للجيل القديم، الذي ناضل من اجل الاستقلال، وحرر الجزائر، في ما تمثل الكبيبة الشابة في الفيلم - التي تلعب دورها باقتدار الممثلة الجزائرية الصاعدة رشيدة براكني ، وهي ممثلة بارزة في مسرح " الكوميدي فرانسيز " العريق وحصلت علي جائزة السيزار كأحسن ممثلة شابة منذ سنوات- تمثل الجيل الجديد من الشباب الذي مازال بعد يعاني من الارهاب، والقتل والتشريد والبطالة في وطنه، وتكون كل هذه الاشياء والمشاكل المتراكمة في قلب حياته وواقعه المعاش، عوامل طرد اكثر منها عوامل انتماء وجذب ، بل انها تدعو يقينا الي الخروج الكبير، للهروب من جحيم الاوطان، والبحث عن مستقبل آخر في اوروبا..حتي ولو كان ثمن تلك المغامرة الموت غرقا.كما يمكن ان نعتبر ان الشخصيتين - الطبيبة والممرضة- هما وجهان ل " هوية " الجزائر ومعبرتان في آن واحد عن " الماضي " و " الحاضر " ومن غير قصد أو فذلكة او استعراض عضلات، من قبل المخرجة صاحبة الفيلم، التي تطرح لنا هنا فيلمها مثل " اللوز المقشر،" ، وتجعله ينساب في خفة وثقة وانسيابية هادئة جميلة، وتضبط ايقاعه علي حركة المركبة العربة الكارو الصغيرة التي تنقلهما في صحبة المزارع من الجبل الي البلدة، و من الريف الي الحضر والعمران، ويجرها حصان. اذ يسحبها الي تلك المقاهي التي تحتشد بالشباب الجزائري الخاسر العاطل ، ومجرد ظهور امرأة صار يتسبب في نشوب عركة او خناقة في المقهي وتضطر معها الطبيبة ان تشهر غدارتها الانتقام لا يفيد " بركات " فيلم جميل و بسيط لكنه ذكي وعميق ، وهو لايفرض نفسه علينا بالكلام والخطب ، بل وينساب بايقاع بطيء يبعث علي التأمل والتفكير، من دون الزعيق والصراخ والحوارات الساحنة الملتهبة الفضائحية الركيكة في جل سيناريوهات واحداث الافلام العربية الفاقعة التي شاهدناها في المهرجان، وهو اذ يتوسل الي مخاطبتنا بالصورة اولا ، ثم بالهمس ثانية من خلال استخدام اقل الكلمات في الحوار- والاقتصاد في استخدام تقنيات الخزعبلات البصرية المبهرة/ كما في مشاهد ذلك الفيلم الهندي الدعائي التي كانت تعرض علينا قبل فيلم المسابقة، و هلكتنا ودوختنا..ببوليوود، وطبول بومباي وهوليوود مجتمعة.. اذ تأنف السينما من ان تكون مجرد تصريحات علي الفاضي والمليان كما في فيلم " استغماية " المصري الذي يضع شخصياته علي كرسي الاعتراف عند طبيب نفساني ، وهات يارغي، اللهم ارحم.. بل تشتغل بحكم طبيعتها وهويتها وابجديتها ، تشتغل علي الصورة من خلال لحظات الصمت لتجعل من " بركات " قصيدة بصرية رقيقة وفيلما تعليميا مثل قصائد برتولت بريخت وقصة لتشيكوف او بيرانديللو . هنا يبحر " بركات "كما زهرة في نبع، تسافر باطمئنان ، لكي تلتقي بالجداول والطيور والشجر، وتتآلف في رحلتها مع السحب والاكوان ، وتكون النتيجة ان تطوح بطلة الفيلم الطبيبة في نهاية الفيلم ، تطوح بذلك المسدس الذي عثرت عليه في بيت والدها الي البحر. تلقي به الطبيبة الي البحر الكبير، لأنها علي ثقة بأن الارهاب لا يقاوم بالارهاب، وان الانتقام يقينا لاينفع ، وانما يكون القضاء علي الارهاب لا بارهاب مثله، بل بالحوار والاقناع والجدل، بعيدا عن معارك الجزارين، وحرب العوالم ، التي يريد ان يشعلها " بوش " بسياساته بدعوي محاربة الارهاب ، للتحكم في البلاد والعباد.. تطرح جميلة صحراوي فيلمها «بركات» مثل " اللوز المقشر " و" الشهد " الصافي ، بعد ان تكون طهرته من الثرثرات الكلامية المعادة والمكررة و الرذيلة، التي تحفل بها جل الافلام المصرية التي شاهدناها في المهرجان ، وفي حين تكبلها بالكلام وتعوقها عن الانطلاق والحركة, وتقيدها ب " الورق " - أي سيناريو الفيلم المكتوب وتقاس قيمة الافلام بحجمه ووزنه، اما ماذا سوف يطرح الفيلم من قيم وأفكار فذلك لايعنيها، ولا تكترث له البتة ، و كانت النتيجة ان قصفنا ذلك " الشو " الاستعراضي السخيف في فيلم " مفيش غير كده " برقصاته واغنياته المترهلة وسخافاتها التي أصابتنا بالصداع الشديد، وجعلتنا نقرف من حياتنا ، وتلك افلام هشة وسهلة الكسر،..





أفلام هشة لاتقدم سينما ، ولاتطرح فكرا ، بل تكون اشبه بخبط الحلل، وقرقعات الصاجات الفارغة الخاوية في " زفة " كلها حكي ورغي ورقص وزيطة وكلام كما في فيلم " مفيش غير كده" ذاك الذي قدم سلسلة من الاستعراضات الغنائية الراقصة الهابطة، وجاء رديئا وسخيفا ومملا وفاقدا لاية مصداقية.. بل ان خالد الحجر يكرس يقينا بهذا العمل لتخلفنا ، فالفيلم الذي يحكي عن ام تربي اولادها بعد ان هجرها الاب وهرب مع فتاة شابة وجميلة، ويصور كيف تنجح الام في ان تصنع من ابنتها مطربة مشهورة، مثل هؤلاء المطربين والمطربات الذين ظهروا في حياتنا منذ سنوات، من ابداع وصنع وفبركة رجالات المال والدعاية وروتانا، بمجهودات ومشروعات ملهمة وجميلة لتخريب الغناء العربي، وجعله استنهاضا للشهوات والغرائز المكبوتة وتغريبنا عن واقعنا وحياتنا بالكلام الهلس الذي هو العبث بعينه وكأنه يقول لنا انه لايوجد وغير متوافر الا هذا في حياتنا. حياتنا ام حياة هؤلاء السذج الذين يحكي عنهم في فيلمه، وقد انساقوا واستسلموا لهذا الطوفان من الاسفاف ،الذي يعرض له علي طبق فضة، ولايجد كما يقول الا هذا - التفاهة بعينها- لكي يعرض هل علينا في ورق سوليفان ، وتروج تلك النجمة التي فقدت بريقها وعزها ومجدها تروج لذلك " الهراء " وتتغني به في المشهد الوقح الاستعراضي، ولاتخجل من التشبث بالقطار بعد ان فاتها القطار وانقضي زمنها وعهدها.. تحية الي جميلة صحراوي علي فيلمها البسيط الهادئ الوديع الرزين، الذي ينساب في خفة وتؤدة مثل مياه الجداول والينابيع، ويحكي عن هموم وتناقضات شعب، ومبروك لها حصولها علي جائزة أحسن فيلم عربي في المهرجان مناصفة مع فيلم " قص ولزق ": لهالة خليل










عن جريدة " القاهرة " بتاريخ 12 ديسمبر 2006

Monday, December 11, 2006

لقطات من معرض "بيت ". من زمن مضي . لصلاح هاشم


















































معرض " بيت " لقطات من زمن مضي







وجوه وأمكنة














صلاح هاشم














Sunday, December 10, 2006

بهير..أنظر أيامنا الحلوة


ايامنا الحلوة في المعسكر الكبير. كان مدينة كما كتب " المصور " انجليزية مستقلة
؟


؟





باهر وبهير في المزرعة. فين وأمتي ؟











طنط هند مع مين ؟


أخي بهير.. أنظر أيامنا الحلوة التي لاتنسي


أخي د. بهير


وصلت الي القاهرة في الاول من ديسمبر2006 وحضرت مهرجان القاهرة السينمائي، وكتبت عنه، ومازلت.

أرجو أن تكون سعيدا، وفي خير صحة، انت وجميع أفراد الأسرة

أنظر اخي بهير الصور المرفقة، التي عثرت عليها في صندوق صور الحاجة سيدة، مثل صندوق باندورا السحري، وكنت تعودت أن أعبث بمحتوياته وأنا صغير، وهأنذا الآن أتأمل طويلا في صوره تلك المرفقة، التي تذكرني بأيامنا الحلوة

أنا واثق كما يقول الشاعر الالماني برتولت بريخت أن أجمل أيامنا لم نعشها بعد

ألي لقاء قريب ان شاء الله في بر مصر العامرة بالخلق والناس الطيبين الصالحين

وقد كانوا قدوة

سلام علي احمد بك وسيدة وناصرة وفاطمة وعلية وجميع من رحلوا عن دنيانا وهم دائما معنا

أعانقك بحرارة، وأتركك الآن أخي د. بهير مع الصور

سلم لي علي فوزان

وجميع من بطرفكم

ولاتنسي أن تكتب تعليق الصور