Monday, December 29, 2008

البحث عن رفاعة الطهطاوي في باريس.صبحي شفيق

لقطة من فيلم " البحث عن رفاعة " للكاتب والناقد السينمائي صلاح هاشم

البحث عن رفاعة الطهطاوي

في شوارع باريس

بقلم د.صبحي شفيق

الحديث عن فيلم عنوانه: «البحث عن رفاعة الطهطاوي» ليس حديثاً عن رفاعة الطهطاوي، بل عن فيلم أخرجه الناقد المصري صلاح هاشم، وصوره وقام بمونتاجه اللبناني سامي لمع، وأنتجته الناقدة الكويتية نجاح كرم.والعنوان يحمل دلالة الفيلم ويحدد نوعيته فنياً، فهو شكل خاص جداً من أشكال السينما الوثائقية، نقطة البدء في هذا النوع كما هي في أي بحث علمي: أننا نبدأ من الصفر، فالمنهج ديكارتي، أي لم جزئيات مبعثرة، وإخضاعها لمرشح أساسي، هو عين من وراء الكاميرا ، وعين الكاميرا نفسها، ثم تدريجياً تتراكم الجزئيات وتتبلور وهي تتراكم، ومع كل لحظة تتبلور فيها تحدث طفرة ما ، وتوالي هذه الطفرات هو السرد البصري السمعي هو الفيلم.والفيلم هو فيلم ثلاثة تضافرت جهودهم للقيام بهذا البحث، ومن هنا يلح سؤال: ما الذي يدفعهم، ونحن في عام 2008، إلي لم شذرات متناثرة في ذاكرة الأجيال الحالية عن واحد من رواد حركة التنوير في القرن قبل الماضي؟ لماذا؟
كلمة واحدة تحضرني، هي أساس النهضة، علي مر العصور التاريخي، إنها: «المجابهة».والمجابهة لا تحدث إلا في أعقاب صدمة، صدمة تهز وجدان جماعة إنسانية بأكملها، فمثلاً، ما يشاع عن دخول خيول بونابرت الأزهر، لو كان هذا صحيحاً، فلابد أن نتفض جميعاً وتتجمع قوانا، وفي أذهاننا يبرز سؤال: كيف يجرؤ جيش غزاة علي ركل مقدساتنا؟وهنا نعيد النظر إلي مالدينا من تراث، وما لدي «الآخر» من قوة وننتهي إلي ما كان يسمي: «البارودة» أي المدفع والبندقية
المدفع عندهم، وليس عندنا سوي هروات و«نابوت الخفير» أبهذا نحمي مقدساتنا؟سرعان ما يتحول شيوخ الأزهر أنفسهم إلي مفكرين: العطار، الشرقاوي، مثلاً، ثم بعدهما محمد عبده، وتدريجياً تنشأ ذاكرة جماعية جديدة وتبرز أجيال تواصل البحث عن هويتنا: في التراث الشفهي، في الشعر الجاهلي «طه حسين»، في المنهج العقلاني كبديل للاجتهاد الحدسي «العقاد»، في اقتحام أشكال جديدة من الإبداع الفني «توفيق الحكم»، ثم يتبلور كل هذا فيما نسميه بعصر التنوير، وعصر النهضة.وكلما عاد مخترعو الباروده ليدنسوا تراثنا، ويحولوا بلادنا إلي محطة خط تراجع في استراتيجية السيطرة علي الشرق الأوسط، كلما عاد نفس السؤال يلح علينا: كيف نستعيد قوانا الداخلية، كيف نستعيد هويتنا؟ انها مجابهة أخري معاصرة ،بدون هذه المجابهة نظل «توابع» علي محيط دائرة، مركزها ستاندرد أويل ومصانع السلاح الكبري، ومخرجو تمثيليات «الإرهاب الدولي»

البحث عن رفاعة جديد

فيلم صلاح هاشم وزميلاه، سامي ونجاح، ليس فيلماً عن رفاعة الطهطاوي ، بل عن البحث عن رفاعة الطهطاوي الجديد، رفاعة الطهطاوي الذي يفند اسطورة التكنولوجيا العليا، وما هي سوي رسوم تخطيطية «» بلاستيك والمونيوم ومكملات، وليست من المعجزات، بدليل أن كوريا وسنغافوره يصنعان السيارات والحاسبات الآلية
وربما دافع صلاح هاشم، صاحب هذا المشروع، وأيضاً دافع سامي لمع، هوانهما، في شبابها خاضا نفس تجربة الطهطاوي. من حي قلعة الكبش في حي السيدة زينب، ينطلق شاب مثقف، محب للسينما، تراه ينصت إلينا، يحيي حقي وسعد الدين توفيق وأحمد الحضري وفتحي فرج وغيرهم من مؤسسي نوادي السينما وقبلها جمعية الفيلم.كان ذلك في الستينيات، وكانت مصر قد وضعت برنامجاً قومياً، السينما تحتل مساحة كبيرة فيه، بدءاً من إنشاء معهد للسينما، ثم وحدة أفلام تجريبية لاستيعاب أول دفعة تتخرج في المعهد في 1963 ثم مجلة للدراسات بالسينما ثم 26 نادي سينما موزعة علي قصور الثقافة بالأقاليم، ثم إنتاج سينمائي يفتح الباب علي مصراعيه أمام شباب ذلك الوقت: خليل شوقي وحسين كمال وسعيد مرزوق، وبعدهم ممدوح شكري ومدكور ثابت، وعاطف الطيب وخيري بشارة وسمير سيف، والقائمة تطول، لكنني أذكر كل هذا لأن «كل هذا» كان في مخزون ذاكرة صلاح هاشم المؤلف الكامل لفيلم: «البحث عن رفاعة ».وعندما هاجم التتار ثقافتنا القومية، هاجرنا جميعاً تقريباً، وقد سبقنا صلاح هاشم، متجهاً إلي ما كان يسمي وقتذاك مدينة النورباريس.ابن قلعة الكبش تتفتح نظراته، ثم مداركه علي مجتمع آخر، فيه السينما فكر وعلم وتيارات مختلفة، ودراسات أكاديمية بالجامعات الفرنسية، تصل إلي مرحلة دكتوراة الدولة
مجابهة صلاح لعصر «التنوير السينمائي» ، عصر يموج بالحركات الداعية للتجديد، السينما الحرة في إنجلترا «أند رسون ومجموعته» سينما ما تحت الأرض في أمريكا «شيرلي كليرك وكاسافيتس ويوناس ميكاسي وغيرهم» الموجة الجديدة الفرنسية، بنظرية «سينما المؤلف» سينما نونو بالبرازيل، سينما أفريقية في بلاد لم تعرف الإنتاج السينمائي، كالسنغال والجزائر، مثلاً إلخ إلخ وسط هذا «الأتون» تفتحت ملكات صلاح هاشم.وتحدد نمط سلوكه، إنه لا يقلد ولن يكون «خواجة» بل ابن قلعة الكبش، وقد تطور فكر أبنائها ليصحبوا مفـــــــكرين ومهندسين وقضاه وأطباء إلخ إذا ما قالوا: «لا» وتحركت في نفوسهم نوازع المجابهة. هل يمكن أن يحدث هذا؟

محاولة ايقاظ أمة

الفيلم كله محاولة للإجابة عن هذا السؤال، محاولة لإيقاظ ذاكرة أمة درامياً، يلجأ مخرج الفيلم إلي ما يسميه رائد المسرح الملحمي: «برتولت بريشت» بتأثير التعبير، بمعني أنه يلغي عادة المشاهدة للأفلام التقليدية، تلك القائمة علي الإبهار وعلي انتزاعنا من واقعنا، وينشيء عادة جديدة، هي إننا أمام مخرج، ومصور، وهما يبحثان. يبحثان في الواقع المعاصر عن شخصية تفصلنا عها سنوات طويلة من الاستعمار والثورة والهزيمة ، ثم استعادة كياننا ، وإذا بنا أمام «فجوة»: امام الجامع الذي اختير إماما لبعثة عسكرية أرسلها محمد علي لتدرس في نفس المدرسة العليا التي درس فيها نابليون، كي يعودوا بنفس مكتسبه، ويتعلموا علي يد تلامذة أستاذ نابليون، البروفيسور مونج.
ولا أدري أهو من قبيل الصدفة، أن في نفس المكان الذي أقام فيه نابليون بيت خلف مدرسة السنية بالسيدة زينب وفي نفس المكان الذي أقام فيه مونج «» أول مجمع علمي في تاريخنا الحديث، في نفس المكان ينشأ مخرج هذا الفيلم؟
ولنعد إلي فيلم: «البحث عن رفاعة» هنا يتحقق التعبير في اختيار أماكن معمارها إسلامي ومملوكي، هي نفس الأماكن التي كانت مركز «التنوير» في عصر رفاعة حتي عصر إسماعيل، بينما من في هذه الأماكن قد تحولوا إلي «كم» بشري، أغلبهم يكتظ في مساكن أشبه بحيوانات المزارع الصناعية ، والهوة بين ماض وحاضر إذا ما ألغي السرد السينمائي المسافة بينها، يوصلنا إلي «تأثير الدهشة» البريشتي إلي تأثير الاستغراب ، وليس أبداً التغريب كما يصر البعض علي ترديده كيفما اتفق، بينما الأصل اللاتيني للكملة هو: «اجعله آخر، أي أطمس شخصيتة وارغمة علي وضع قناع يفرضه نظام ما ، كي يندمج الكل في هذا النظام.أسئلة يطرحها المخرج عليّ من هذه الأماكن. البعض يتجمع ذاكرته والبعض الأخري يبدي دهشته، وبين هؤلاء وهؤلاء تنبض أجيال جديدة بالحياة
أطفال يلعبون، طفلة تستسلم لإيقاع الموسيقي ، ورغم حجابها ترقص، أنماط بشرية متعدده هي: «مصر الآن»، هل تولد «مصر الغد» وسط كل هذا؟ هل تحدث انتفاضة فكرية، توصل نهضة عصر التنوير بنهضة الفكر الحديث: شبلي شميل، سلامة مرسي، طه حسين، إسماعيل مظهر، فرح أنطون، لتنتهي إلي فكر مصر المعاصرة؟
كل ما في الفيلم يوصي بأن الإجابة ستكون: «نعم»، رغم كل ما يفعله حاملو معاول هدم الهوية الثقافية ، للبلد التي علمت العالم كله كيف يفكر ويبدع ويخترق ويتحدي قوانين الطبيعة.
صلاح هاشم

Tuesday, October 07, 2008

البحث عن رفاعة لماذا ؟ حوار مع المخرج المصري صلاح هاشم




ملصق فيلم " البحث عن رفاعة " اخراج صلاح هاشم تصوير ومونتاج سامي لمع انتاج نجاح كرم


مقال


«الطهطاوي»: عن النهضة والأسئلة المعلقة

من «البحث عن رفاعة»



في «البحث عن رفاعة»..بعد قرابة قرنين على رحلة رفاعة الطهطاوي الشهيرة إلى فرنسا، يسير صلاح هاشم في شريطه على خطى صاحب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، معيداً طرح السؤال ذاته: لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟

بقلم

عثمان تزغارت


تتنازع الإعلامي والناقد السينمائي المصري صلاح هاشم ثلاثة انشغالات أساسية: حبّ السينما وموسيقى الجاز والبحث في الفكر التنويري، بوصفه المنطلق التأسيسي لأي مسعى تحرّري من شأنه تخليص الثقافة العربية من براثن التشدد والظلامية.
وها هو يجمع بين هذه الانشغالات الثلاثة في شريطه «البحث عن رفاعة» (وثائقي 63 دقيقة ـــــ إنتاج كويتي مصري) الذي قُدّمت عروضه الأولى أخيراً في لندن وباريس، وسيُعرض ضمن «كرافان السينما العربية الأوروبية» الذي بدأ في عمان.
يمثّل هذا الشريط الجزء الأول من ثلاثية توثيقية يعتزم هاشم تخصيصها لفكر رفاعة الطهطاوي ومساره، ضمن مشروع يشغله منذ أكثر من عقدين. لكن إعجابه بشخصية الطهطاوي ومكانته الرائدة لم يمنعه من أن يطرح جانباً الأساليب الحكائية التقليدية، ليخرج من الإطار الضيّق المتعلق بالتأريخ لسيرة هذا المفكّر، ويوسّع المشهد إلى ما هو أبعد وأعمق وأكثر راهنية، عبر إعادة طرح السؤال ذاته الذي شغل الطهطاوي قبل قرن ونيف: لماذا تأخّر المسلمون وتقدّم غيرهم؟ وإذا برحلة البحث عن الطهطاوي بين باريس والقاهرة وطنطا وأسيوط تتحوّل إلى رحلة تأمّلية في الواقع المصري والعربي اليوم، ضمن نظرة تشريحية قاسية، تضع اليد على الجرح وعلى مكمن الخلل في المشروع الحداثي العربي المعطّل والمعطوب...
يقول صلاح هاشم: «لم يكن الهدف من إنجاز الفيلم نوعاً من التكريس لـ«عبادة البطل»، رغم مكانة رفاعة المعلّم والمفكّر والإنسان ورائد نهضة مصر الحديثة، إلا أنّ ما شغلني هو التحفيز على التأمل في فكر رفاعة ومفاهيمه لمعاني النهضة والتقدم وحرية المرأة ودور المثقف وعلاقة الحاكم بالمحكوم، من أجل طرح سؤال أكثر راهنية، وهو: أين موقع مصر والعالم العربي اليوم من ذلك الفكر التنويري المجدّد؟».
لهذا، لم يسلك هاشم في ثلاثيته المخصّصة للطهطاوي المنحى الكرونولوجي التقليدي، بل سلّط الضوء في هذا الجزء الأول على موقع فكر الطهطاوي وأثره في الراهن العربي اليوم، بعد قرابة قرنين من الزمن، على أن يعود لاحقاً، في الجزءين الباقيين إلى التأريخ لرحلة الطهطاوي إلى باريس، عام 1826، ومن ثم إلى الجهد التحديثي الذي اضطلع به بعد عودته إلى مصر.
في الملخص التقديمي للشريط، يقول هاشم إنّه عمل يحكي وقائع رحلة مطوّلة بين باريس والقاهرة، مروراً بأسيوط وطنطا في صعيد مصر، بحثاً عن ذاكرة رفعت رفاعة الطهطاوي (1801 ـــــ 1873)، رائد نهضة مصر الحديثة الذي يلخص مشواره العلمي قصة بلاده في القرنين الماضيين. لكنّ الفيلم يطرح السؤال الأكثر راهنية: ترى ماذا بقي من تعاليم الطهطاوي ونظرياته وأفكاره بخصوص العلم والتعليم وحرية المرأة والعلاقة بين الحاكم والمحكومين في مصر والعالم العربي اليوم؟
بغية تحقيق ذلك، لم يراهن صلاح هاشم على المغايرة على صعيد المضمون فحسب، من حيث كسر الوتيرة الكرونولوجية، بل أيضاً على صعيد الشكل الفني، إذ طرح جانباً الأساليب الحكائية التقليدية، لحساب لغة بصرية مكثّفة أتاحت له الغوص في الواقع المعيشي للناس، ليرصد مآل بلد الطهطاوي بعد كل هذا الوقت على رحيل رائد نهضتها. ولم تمثّل موسيقى الجاز مجرد خلفية صوتية للفيلم، بل مثّلت عنصراً بصرياً أساسياً فيه، بحيث لم تكتف أجواء الجاز وتلوّناته الإيقاعية بمرافقة إيقاع الفيلم وضبطه، بل كانت مرتكزاً استند إليه هاشم وشريكه في المشروع، المصوّر اللبناني المقيم في كوبنهاغن سامي لمع، للغوص في أعماق الحياة الشعبية للناس البسطاء في مصر. حتى أننا حين نسأله عن أهم ما يميّز عمله التوثيقي هذا، يجيب: «لا بد من أن أفلاماً كثيرة تسجيلية وروائية ستُنجز مستقبلاً عن الطهطاوي، لكنّي واثق بأنّ عملي سيبقى أكثرها قرباً من واقع الناس البسطاء ومعاناتهم في بلد الطهطاوي، حتى لنكاد نلمس في الفيلم حفيف خطواتهم ولفح أنفاسهم...».

«كرافان السينما العربية الأوروبية» حتى 25 آب (أغسطس


عدد الاثنين ١٨ آب

٢٠٠٨

عن جريدة "الاخبار" اللبنانية بتاريخ 18 اغسطس 2008


------------------------------------------------------------------------------


حوار مع المخرج صلاح هاشم

رفاعة لماذا؟

أجري الحوار حكمت الحاج






Wednesday, July 16, 2008

البحث عن صورة تشبهنا في " القبس " الكويتية





اقرأ بعض حصاد الرحلة الي مهرجان الفيلم العربي في روتردام بقلم صلاح هاشم في " القبس " الكويتية بتاريخ الاربعاء 16 يوليو 2008 ، وينشر المقال كاملا قريبا مع القسم الثاني منه في موقع- مدونة سينما ايزيس











Sunday, July 06, 2008

البحث عن رفاعة: توهج فني وقضايا راهنة



البحث عن رفاعة في جريدة " الرأي " الاردنية

خبر عن عرض فيلم " البحث عن رفاعة " في الصفحة الاخيرة من جريدة " الأهرام " المصرية





فيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم
توهج فني وقضايا راهنة









الكاتب والناقد السينمائي صلاح هاشم مخرج فيلم البحث عن رفاعة

البحث عن رفاعة في جريدة القدس العربي.لندن






البحث عن رفاعة في جريدة " ايلاف " . مقال حكمت الحاج. وفيديو الحوار الذي أجراه مع المخرج صلاح هاشم



مقال عن الفيلم في " العرب الاسبوعي " من جريدة " العرب " لندن



فيلم البحث عن رفاعة لصلاح هاشم
توهج فني وقضايا راهنة


Tuesday, July 01, 2008

كتبوا عن فيلم " البحث عن رفاعة " لصلاح هاشم



المقالان التاليان نشرا من قبل، بقلم حكمت الحاج في " ايلاف " ، ويسري حسين في " آرام علي شبكة الانترنت

البحث عن رفاعة وتدشين سينما الارتجال..

بقلم : حكمت الحاج

شهد مدرج ومسرح قاعة الخليلي في كلية الدراسات الآفروآسيوية المعروفة باسم (ساوس) بجامعة لندن مساء يوم التاسع من حزيران يونيو 2008 العرض الاول للفيلم التسجيلي الطويل (63 دقيقة) بعنوان البحث عن رفاعة للمخرج المصري المقيم بباريس صلاح هاشم، وذلك قبل ان ينطلق الفيلم للعرض فيما بعد في بعض المهرجانات العربية والعالمية، مثل مهرجان مونيبلييه للسينما المتوسطية في فرنسا هذا العام. وعقب عرض الفيلم تم اللقاء مع المخرج صحبة المصور اللبناني المقيم بكوبنهاغن سامي لمع أداره الدكتور صبري حافظ استاذ الادب العربي بالجامعة ، وبمشاركة الباحث د. أيمن الدسوقي من الكلية نفسها.

عرض لنا الفيلم رحلة ما بين باريس والقاهرة وأسيوط وطهطا بحثا عن ذاكرة الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي رائد نهضة مصر الحديثة ( من مواليد طهطا 1801-1873) والذي يلخص مشواره العلمي قصة مصر في القرنين الماضيين، حينما سافر مع أول بعثة تعليمية أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا‏‏ لدراسة العلوم الحديثة‏‏ فعاد منها لكي ينشر العلم والتعليم ويشارك في تأسيس الحداثة في مصر، وما تبقي من افكاره بخصوص العلم والتعليم، وحرية المرأة، والعلاقة بين الحاكم والمحكومين، والثقافة والعدل، وكل تلك الافكار التي جلبها معه من رحلته الي باريس عام 1826. كما تساءل الفيلم عن تلك الحدود التي استفادت منها مصر من تجربة الطهطاوي التي كانت بمثابة ثورة فكرية تنويرية اصيلة، لا في مصر فقط بل في جميع انحاء العالم العربي؟ كما بحث في المشاكل والمعوقات التي تحد في اطار الظروف الحالية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، من انطلاقتها من جديد، وبخاصة بعد حرب أمريكا بوش على العراق، وما نجم عن هذه الحرب من تأثيرات في مجتمعاتنا العربية في عصر العولمة.

ويعتبر الفيلم تتويجا لصداقة عمل وتعاون بين الكاتب والباحث والناقد السينمائي المصري صلاح هاشم مخرج الفيلم ، ومصور الفيلم الفنان اللبناني سامي لمع، ومنتجة الفيلم الاعلامية الكويتية نجاح كرم.

البحث عن رفاعة كان فيلما شجاعا وجريئا جدا. هو في ظاهره كما أشيع وسيشاع في الاعلام والاعلان عنه، فيلم عن رفاعة الطهطاوي وآثار فكره التنويري على مصر الحديثة في محيطها العربسلامي المتوسطي العالمثالي الافريقي الـ ...الخ، لكنني رأيت في الفيلم بحثا عن صلاح هاشم القاهري المصراوي الفنان والقصاص ابن قلعة الكبش ووريث جيل الستينات وثورة الطلاب في العالم، وأيضا، المغترب المهاجر دوما بلا قرار وصاحب (الحصان الأبيض).

الفيلم جرئ لأنه يرينا من خلال عين العدسة مآل مصر الطهطاوي بعد قرن ونيف على رحيل رائد نهضتها. والفيلم شجاع لأنه لم يتوان عن إضاءة المظلم وكشف المستور في حياتنا جميعا، ولأنه لم يعمد الى مستحضرات التجميل ونفاخات البوتوكس كي يخفي حقيقة الحياة في ظل (المحروسة).

لا أدري ان كان وقت سيأتي سيتم الضغط فيه على المخرج كي يحذف بعض المشاهد من تلك الثلاثة والستين دقيقة المرعبة في فيلمه البحث رفاعة. لكنني اتمنى أبدا أن لا يفعل، حتى ولو خسر العروض والدعوات من بعض المهرجانات العربية.

كان الفنان والمسرحي الكبير الراحل مصطفى الحلاج يقول عن أعماله عموماً انه يحكمها الارتجال والتداعي، والتداعي هو ميكانيزم واسع وهو احد جواهر الإنسان، التداعي اما ان يستحضر شيئاً بالتناقض، أو بالتوافق معه، او من خلال معاكسته، التداعي ميكانيزم نفسي من أغنى ميكانيزمات الابداع، وأنا في عملي، ودائما مع الحلاج، استخدم التداعي والارتجال.. التداعي حر، والارتجال لابد أن يشتمل الايقاع.

بهذه الكلمات العميقة استطيع أن أقدم لفيلم البحث عن رفاعة. هذا النوع من الأفلام قد يبدو لنا اليوم طارحا لسؤال حول معنى أن تكون السينما مستقلة، ودائما جديدة، وتقدمية، من كل النواحي، لا سيما من ناحية المضامين. أما من حيث الشكل، فحدث ولا حرج. الاقتراب اكثر من عالم الأدب، بما ان المخرج في الاصل واحد من ألمع كتاب القصة القصيرة المصرية والعربية.. النهل من المسرح والابتعاد عن المحسنات البديعية في التكنيك والتصوير والمونتاج، ومن ثم اعطاء المشاهد انطباعا بانه انما يشاهد أحد أفلام الهواة.

ولكن كيف تأتى للمخرج صلاح هاشم أن يحقق هذا المنظور؟ الجواب بسيط جدا، وربما وجدناه في دقائق الفيلم الأولى عندما يتحكم فينا كمشاهدين عنصران اساسيان سيوجهان حطاب الفيلم بأكمله ألا وهما سرعة تتابع اللقطات عبر كاميرا محمولة على سيارة مسرعة، وموسيقى جاز نيوأورليانز تنبعث من ساكسوفون جريح وحزين، لا يتنطع بثقافوية مزعومة ثقيلة الظل بقدر ما يذكرنا بأن موسيقى الجاز أصلها أفريقي، وما مصر في وجه من وجوهها إلا افريقية الانتماء والجذور.

اذن، الحركة والإرتجال هما العنصران المهيمنان على في فيلم البحث عن رفاعة. الحياة حركة في الزمان والمكان، وموسيقى الجاز قبض على لحظة من تلك الحركة من أجل إدامتها وتجميدها في اللحظة الراهنة عبر الارتجال والتمدد الزمني والإطالة المبالغ فيها. قطبان متناقضان للوهلة الاولى يصر صلاح هاشم على ربطنا بهما عبر عناصر فيلمه المختلفة، بالضبط كما وجدناه منذ البداية مصرا على أن تكون موضوعته شعبية مستقاة من تفاصيل اليومي. وعدا استجوابين في الفيلم لشخصيتين أكاديميتين بشأن تراث الطهطاوي، ندر أن تجد شخصيات لمثقفين أو لمعاناة وجودية أو لدرامات كبرى، أو حتى لما قد يشبه السيرة الذاتية. كل ما في الأمر ان صلاح هاشم اشتغل على فيلمه وكأنه يشتغل على نص قصصي يكتبه في مقهى قاهري، مع ارتجال واضح في كل شئ. ومن دون اهتمام كبير بالأبعاد التقنية. وكأننا هنا في ازاء عين توثيقية طلب منها أن تتابع الشخصيات في ما تقول وتفعل. وأحياناً بالمعنى الحرفي للكلمة. من هنا لم يكن غريباً أن يصور سامي لمع اكثر من 25 ساعة تصوير على كاميرا من نوع الفيديو الرقمي ليطلع في نهاية الأمر بفيلم من ساعة لا أكثر. هذا الارتجال الذي يبدو، أكثر ما يبدو، منتمياً الى تيار سينما الحقيقة هو الذي حدا بالمخرج أن يقول في اللقاء الذي اعقب عرض الفيلم هنا في لندن انه بدلاً من أن أحقق فيلماً عن الطهطاوي، أفضل أن أحقق فيلماً عن الناس في بلد الطهطاوي. اذ ان طريقة العزف في الموسيقى هي أهم عندي، والكلام لصلاح هاشم، من اللحن المميز لتلك الموسيقى. تقنياً يبدو الفارق هنا ضئيلاً، لكن الحقيقة هي أن فيلم البحث عن رفاعة قد اشتغل على هذا المنطق. والتعليق الأخير من عندنا.

كانت لغة الشخصيات هي الأقوى بين أدوات المخرج لم تكن بسيطة في محتواها مع أنها تعتبر لغة الشارع المصري. عند بدء التصوير لم يكن هناك خط درامي محدد لكل عنصر من عناصر الفيلم التسجيلي. فمن خلال أفعال ومشاعر الموقف يتولد رد الفعل الذي يبني عليه استمرار الأحداث . ومن خلال الاجابات الممكنة التي سيقدمها شخوص الفيلم الحقيقيين، تصاغ الأسئلة والاستجوابات، وليس العكس كما هو متعارف عليه. أماكن التصوير لا تحتاج الى مسح وتهيئة، بل هي رهينة الصدفة السانحة وموافقة الحاضرين وأصحاب المكان على تصويرهم. وبالفعل، وكما اعترف المخرج غب كلمته بعد انتهاء عرض فيلمه البخث عن رفاعة، فإنه لم يعمد الى استخراج أذونات بالتصوير في الاماكن العامة في مصر، والفيلم كله من حيث التصوير هو عبارة عن لحظات مسروقة بموافقة أصحابها ملئية بالكدر لكنها مغلفة بالمحبة والتسامح وخفة الظل. ورغم موضوع الفيلم لم يكن المخرج أسيرا لموضوع واحد محدد أو لفكرة معينة, وهو رفاعة الطهطاوي، وحسب بل إتسعت رؤياه لزوايا أكثر شمولية وفي النهاية شاهدنا عملاً سينمائيا فنياً غير مكتمل الأركان، وأشدد، غير مكتمل الأركان، يمكننا أن نطلق عليه اصطلاح (سينما الإرتجال). وبذلك ربما كان صلاح هاشم في فيلمه هذا (البحث عن رفاعة) يدشن لنا جميعا طريق السينما الجديدة الفقيرة القائمة على مبدأ الارتجال والتي من الممكن أن يصنعها نساء الأدب ورجاله كما هي ممكنة بكل تأكيد لهواة التصوير ومحبي الفنون الرقمية المعاصرة ضمن ثورة الفكر والتكنولوجيا الحديثة ولتسكت الى الأبد أصوات الكسالى العرب من المتمعشين من أموال الاحتراف.

لندن في 10 حزيران يونيو 2008

___________________________________

هامشان ضروريان/

1. رفاعة رافع الطهطاوي 1801 -1873) من قادة النهضة العلمية في مصر محمد علي. تولَّى التدريس في الأزهر ، وتوثقت صلته بشيخه، العلامة حسن العَطَّار. وظلَّ رفاعة يدرِّس بالأزهر لمدة عامين.والمنعطفُ الكبير في سيرة رفاعة الطهطاوى ، يبدأ مع سفره سنة 1826 م إلى فرنسا ضمن بعثة أرسلها محمد علىّ على متن السفينة الحربية الفرنسية "لاترويت " لدراسة العلوم الحديثة. وكان حسن العَطَّار وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها، وذهب كإمام ولكنه (الى جانب كونه امام الجيش) اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك وبدأ بممارسة علم الترجمة. وبعد سنوات خمسٍ حافلة ، أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذى نال بعد ذلك شهرة واسعة تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فىِ تَلْخِيصِ بَارِيز .وعاد رفاعة لمصر سنة 1247 هـ/1831 فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب ، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية .. وافتتح سنة 1251ه/1835م مدرسة الترجمة، التى صارت فيما بعد مدرسة الألسن، وعُيـِّن مديراً لها، إلى جانب عمله مدرساً بها. وفى هذه الفترة تجلى المشروع الثقافى الكبير لرفاعة الطهطاوى؛ ووضع الأساس لحركة النضهة التى سميت الأصالة والمعاصرة. وظل جهد رفاعة يتنامى؛ ترجمةً، وتخطيطاً، وإشرافاً على التعليم والصحافة.. فأنشأ أقساماً متخصِّصة للترجمة الرياضيات - الطبيعيات - الإنسانيات وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد، ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية. وكانت ضمن مفاخره استصدار قرار تدريس العلوم والمعارف باللغة العربية وهى العلوم والمعارف التى تدرَّس اليوم في بلادنا باللغات الأجنبية) وإصدار جريدة الوقائع المصرية بالعربية بدلاً من التركية؛ هذا إلى جانب عشرين كتاباً من ترجمته ، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها. عاد رفاعة بأنشط مما كان ، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس، وعاود عمله في الترجمة (المعاصرة) ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربى (الأصالة) ورأس إدارة الترجمة، وأصدر أول مجلة ثقافية في تاريخ العرب وهي رَوْضَةُ المَدَارِسِ. وكتب في التاريخ: أَنْوارُ تَوْفِيقِ الجَلِيل فِى أَخْبَارِ مِصْرَ وتَوْثِيقِ بَنىِ إِسْمَاعِيل. وفى التربية والتعليم والتنشئة : مَبَاهِجُ الأَلْبَابِ المِصْرِيَّةِ فِى مَنَاهِج الآدَابِ العَصْرِيَّةِ.. المُرْشِدُ الأَمِينِ للبَنَاتِ والبنَينِ . وفى السيرة النبوية نِهَايَةُ الإِيجَازِ فِى تَارِيخِ سَاكِنِ الحِجَازِ .

2. أما المخرج صلاح هاشم فهو صحفي وناقد سينمائي مصري مقيم في باريس. صدرله (الحصان الابيض) مجموعة قصص قصيرة عن دار الثقافة الجديدة في مصر، و(كرسي العرش حكايات من قلعة الكبش) عن دار ميريت، و ( السينما العربية خارج الحدود) عن المركز القومي للسينما في مصر، و(السينما الفرنسية تخليص الابريز في سينما باريز) عن وزارة الثقافة مصر ، و " السينما العربية المستقلة. افلام عكس التيار" عن مهرجان الشاشة العربية في الدوحة ، و " الوطن الآخر سندباديات مع المهاجرين العرب في اوروبا وامريكا " الذي صدر في ثلاثة أجزاء عن دار الآفاق الجديدة في لبنان، ويصدر له قريبا عن " الدار" في مصر كتاب " السينما عند العرب. مثل قصيدة عن الأرض الخراب " يقدم فيه قراءة لبعض انتاجات السينما العربية في السنوات الخمس الاخيرة.

أنغام الموسيقى تفجر قضية النهضة والحضارة

في فيلم صلاح هاشم عن < الطهطاوي >

لندن - يسري حسين

نقل المخرج المصري صلاح هاشم جمهوره من نقاد وأكاديميين وباحثين ودارسين , إلى قاهرة المعز في زمنها المعاصر للبحث عن ما تبقى من تراث رجل , نقل العلم والحضارة والثقافة بجناحي العدل والحرية , إلى الشرق ليخرجه من ظلام التخلف . ألى نور ينبعث من الوعي والإرتباط بالأمل في بناء حياة أفضل وبلورتها لتحدي تيار التراجع كله .

وقد ذهب رفاعة رافع الطهطاوي إلى باريس , وعاد منها في عام 1826 بزخم معرفي وعلمي , هدفه نقل مصر والشرق إلى ضفة أخرى , تعرف عليها أثناء إقامته في عاصمة النور , إذ أدرك أن هذه الشعوب تقدمت بفتح أدمغتها أمام حقائق والوصول إليها من خلال بطاقة مرور ترفع راية الحرية مع العدل , إذ بدونهما لا يتحقق , لا تقدم ولا إبداع أو إزدهار .

كان < الطهطاوي > لديه الثقة بأن مجرد نقل الرسالة سيستجيب لها مواطنيه ويلتقطون شفرة حل الألغاز الحضارية , لكن على الرغم من مرور ما يقرب من مائتي عام , لا تزال المسيرة تتعثر , بل تراكمت على الأدمغة الأحجبة والشك في الثوابت , وإعتبار التقدم عاراً وتجديفاً , والعودة مرة أخرى للوقوف أمام سر الحضارة في حالة تلعثم وإندفاع إلى الوراء .

عرض < هاشم > في تتبع ينسج من معمار الموسيقى نهج أسئلة من خلال كلام الناس البسطاء وبعض رجال النخبة , الذين يبدون أكثر إرتباكاً , نتيجة عدم لمس توهج شعلة الطهطاوي , التي حملها في القرن الثامن عشر , ولم تصل إلى بعض العقول بعد .

كانت مصر وهي تبني دولتها في عهد محمد علي , أكثر إدراكاً لأسئلة التقدم وبناء الصناعة وفتح المدارس وترجمة الكتب . وحمل الشعلة رواد مثل طه حسين , غير أن التراجع العنيف حاصر شرارة النهضة , بحيث تعيد الأمة إفراز المواد المحبطة وتحشو العقول بالمعلومات الفاسدة حتى تصبح ضد نفسها .

تحدث رائد التنوير عن تعليم البنات وصقلهم بالمعرفة وتأهيلهم للمشاركة في البناء . وقد تراجعت هذه الدعوة إلى الوراء , وهناك من يُعبر في فيلم صلاح هاشم عن معارضته لهذه الفكرة , لأن كرامة المرأة في رأيه البقاء في المنزل وليس خارجه . لكنها إذا لم تتعلم وتتثقف فلا قيمة لها ولا مكانة على الإطلاق .

وتعلل البعض بأن أزمة البطالة تدفع لوضع النساء في منازلهن حتى يعمل الرجال . وكان < الطهطاوي > القادم من صعيد مصر الجواني , أكثر فهماً بتبشير أفكاره عن حق التعليم , الذي هو مثل الماء والهواء ضرورة لكل مواطن , كما قال طه حسين بعد ذلك .

يحمل المخرج صلاح هاشم فيلمه التسجيلي غير التقليدي المئات من الأسئلة , وهو قد حمل الكاميرا مع مصوره اللامع سامي لمعة , للكشف والتنقيب في أرض مصر لمعرفة ماذا حدث للرسول ؟ الذي ذهب إلى باريس وعاد محملاً بالأماني والعمل والأفكار , وشيد مدرسة الألسون لتعليم اللغات وترجمة الكتب ونشرها بالدعوة إلى العلم والعدل والحرية .

والمخرج مثل كل جيله يطرح أسئلة , لأن مشروع النهضة الذي بدأ مع زمن الطهطاوي , لا يزال يتعثر بل يواجه العقبات بعد أزمات ضارية , عسكرية وإجتماعية بدأت تشكك في التنوير الحضاري , وتتمسك بالتخلف تحت شعار الإلتفاف حول الجذور .

وكان المصريون والعرب في أحقاب مختلفة يقودون العالم إلى نور التنمية مع الحرية والعدل , لذلك ظهرت حضارات إنتعشت في ظل الرؤية الإسلامية الحضارية التي إحتضنت الآخر , وسمحت لفلاسفة مثل موسى بن ميمون وإبن سينا , وإبن رشد للنبوغ والجرأة الفكرية , بينما كان الغرب الأوروبي يخشى هذه الأفكار وتعتبرها الكنيسة تجديفاً ونويراً خطيراً يربك العقل الديني المتزمت .

وتقدمت أوروبا , لأنها أخذت بالمنهج الذي تركه العرب , مما سمح بتكالب التخلف والإستعمار عليه , ومع بداية القرن الماضي برقت شعلة الطهطاوي مرة أخرى , فبدأت حركة التصنيع وفتح استديوهات السينما وتألق الموسيقى والتمثيل وبناء الجامعات وتنشيط حركة الترجمة .

غير أن قبضة سوداء أطاحت بكل هذا , فعاد الحجاب يخفي نور العقل , وتسلل الغم والإحباط نتيجة بطالة وفساد وإستبداد , فتم خنق رحيق زهور نهضة طه حسين وطلعت حرب مع أنور وجدي ومحمد عبد الوهاب وصوت أم كلثوم .

عاد < هاشم > المقيم في باريس للبحث عن آثار هذا الجد اللامع < الطهطاوي > الذي يشبه ما تحدثت عنه الأساطير اليونانية بشأن سارق النار , الذي وضعها في قلب الإنسان , حتى يعرف ويتعلم ويفكر وينطلق وجوده كله .

المخرج المصري المشبع بالحرارة المعرفية وتراث مشروع النهضة , عاد إلى وطنه , وإلى حي السيدة زينب ليفتش عن < الطهطاوي > في عمق أجيال جديدة وداخل ساحة الحسين وعلى صفحة النيل . وقد تدفقت على مر أحداث صور الفيلم الموسيقى المعبرة عن وجدان الناس وأحلامهم وبحثهم عن شوق إلى نور يهزم الظلام .

وهذا إرث حامل الشعلة , التي لا تزال رسالتها قائمة وتنتظر من يحملها . ومظهر الواقع يسيطر عليه زحام وفوضى وعشوائيات وإيقاع يعود إلى الوراء , غير أن الموسيقى الجميلة تؤكد بأن هناك شعباً يعيش ويتطلع بجموح وأمل إلى معانقة رسالة < الطهطاوي > على الرغم من غيابها في طيات هذا الزحام المحبط والمظلم أيضاً .

قال المخرج كل هذا الكلام وطرح الأسئلة من خلال الصورة والجملة الموسيقية , حتى الفتاة الصغيرة التي ترقص وهي محجبة , ينبض جسدها بديمومة متألقة تعبر عن عناق مع الأمل , وتستجيب للموسيقى بدفقات شعورية هائلة , أسقطت ما تخفيه من ملامح , إذ الحركة عبرت عن حرية , والفتاة ملجمة بثياب ترفضها آلة الزمن التي تعيد إلى فلسفة القشور . ولا نتذكر تحية كاريوكا وسامية جمال , حيث كان إبداعهما تعبيراً كاشفاً عن ثقة وعمق يتحلق حول الفن وليس بشأن أسئلة ساذجة عن السفور والحجاب .

إن الأمم تستطيع أن تبدع إذا أدركت ذاتها . وكان < الطهطاوي > على بينة من مهمة غمرت عقله , إذ وجد < السر > في باريس وحمل طريقة التقدم وقدمها على صحن من العمل والجد وبناء مدرسة الألسن , والإنكباب على الترجمة لتقديم أمهات كتب الحرية وحقوق الإنسان , مع طريقة تجريد البشر من قيود التخلف بالعلم والمعرفة لصنع الحضارة .

وكلما إقتربت مصر من هذه المعادلة تقدمت , كما حدث في بداية القرن الماضي , وعندما تُعبر وتطرح أسئلة السذاجة , تتراكم عليها سحب وظلال , تقول بأن تعليم المرأة بدعة وخروجها إلى العمل ضلالة . كما أن الحرية لا تستقيم دون تحقيق العدل للقضاء على التراكم الطبقي الإستغلالي ومنح الفرص المتكافئة أمام الجميع حتى يساهم في صنع النهضة .

وقد عرض صلاح هاشم فيلمه الجميل في قاعة بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن . وتحدث عن < الطهطاوي > برحلة الإكتشاف في هذا الجزء الذي ينطلق من الصعيد إلى القاهرة ويتوقف عند ما تبقى من تراث الرجل وصداه في طبقات الحياة العامة .

ولدى هاشم رحلة أخرى طموحة في تصوير المشهد الباريس ووجود الطهطاوي هناك , ثم الجزء الأخير في تتبع مشواره ورحلة العودة بعد أن اكتشف سر التمدن البشري .

إستخدم المخرج طريقة سردية بصرية , حيث تتدفق الصور كما هي دون تعليقات , مع حوار سلس وبسيط لناس في الأحياء الشعبية وأماكن التجمعات في منطقة < الحسين > المشبعة بالتراث , لإعطاء صورة عن كيان بشري , يملك زخم الحراك ولديه بجانب الطهطاوي , الذي رسم طريقة للخروج من المأزق والتحليق في سماء الإبداع الإنساني , والإصرار على صنع حضارة لا تُقلد وإنما تغوص في تراثها للمس الجوهر , الذي يقف مع التقدم وتعليم المرأة والتمسك بفعل الحرية .

وكانت تعليقات د . صبري حافظ أستاذ الأدب المعاصر بجامعة لندن , تدور بشأن العلاقة بين رسالة الطهطاوي والحاضر الراهن , وتعثر مسيرة المصريين في ترجمة ما قاله , قبل ما يقرب من مائتي عام .

وطرح د . أيمن الدسوقي أستاذ الأدب المقارن بالجامعة ذاتها , بعض الأطروحات النيرة عن مسيرة التعليم وفقرات مشروع النهضة الذي بشر به الطهطاوي . كما تحدث حاضرون من عرب وبريطانيين عن معنى الحضارة , وهل هي ترتبط بالنموذج الغربي ؟ أم يمكن الأخذ بالإسباب وصُنع النمط المحلي لخصوصية العقائد والقيم والتقاليد ؟ . وهذا ما كان يقصده < رفاعة > المجدد وليس المقلد على الإطلاق .

وتدفق صلاح هاشم بالحديث عن تجربة طويلة في عالم السينما . وقد إنتقل من المكتوب إلى المصوّر بطريقة في فهم لغة الصورة , وترك المناظر تكشف عن مكنونها الجمالي والإبداعي والفكري أيضاً .

وقد إستمتعت لهذا الفيلم , الذي من الصعب وصفه بالتسجيلي , لأن خلفه طاقة إبداعية تملك حس السرد الروائي من داخل منظومة الدراما السينمائية . إن هناك أشخاص يتحدثون ويعلقون , وصور من نمط حياة تم إلتقاطها كما هي , ووظفتها لغة التحرير السينمائي في بناء متكامل , يبدو من الوهلة الأولى بأنه عفوي ولا يخضع لفقرات سيناريو محدد , لكن عندما تغوص في الصور التي إلتقاطها تشعر بالحبكة السينمائية قائمة , لكنها متخفية وراء هذا النهر الغامر من لقطات وصور وناس يتحدثون بعفوية تلمس القلب .

أعطى المخرج صورة أخيرة إلى إيقاع الموسيقى , في لقطات الطفل الذي يحبو ويتطلع وينظر إلى المستقبل , كأنه يرى رسالة الطهطاوي ونبضها في دمه , وستكون أداته في عالمه المقبل لصنع حياة أكثر علماً وجمالاً وحرية وديمقراطية .

ومعنى الصورة , أن < الطهطاوي > يعيش ليس عبر تماثيل له في قلب مصر , وإنما داخل أفئدة الأجيال التي تعانق هذا الحلم ويتصل حسب قدرتها على تحقيقه .

ودائماً هناك من يتحدث بأن مصر في كل عصور الجدب والضباب , كان في قلبها نقطة ضوء صغيرة تتجمع في داخلها أحلامها في عدل وحرية ونماء وتعليم . وهذا الشعب المحاط بأسوار الإحباط , يملك قدرة القفز عليها كما فعل صلاح هاشم نفسه إبن حي < قلعة الكبش > بالسيدة زينب , الذي ذهب إلى باريس وفي قلبه الحلم بالسينما والتغيير والأمل , لذلك إختار عمنا < الطهطاوي > حتى يقول أن تكرار تجربته ممكن , وأن التحليق في أحلامه يستطيع إنقاذ الواقع من تعثره وقيوده الكثيرة وبعض المواد الفاسدة التي ذهبت واستقرت في عقول نخبة متعلمة , لكن عالمها أكثر بشاعة نتيجة الجهل , لأنه يحوط فكره بألفاظ تبدو قشرتها تستخدم ألفاظ العلم بينما الجوهر لا يخرج عن تخلف الظلام البشع .

هذا الفيلم الجميل صوره الفنان سامي جمعة , الذي ترجم رحلة مع الكاتب والمخرج الفنان صلاح هاشم , تمتد إلى عشرين عاماً .

إن المبدع المصري مع آخر لبناني وبدعم من مثقفة كويتية هي نجاح كرم , عزفوا على أوتار الخلق الفني , فجاء هذا الشريط بتلك الصور الدالة عن معركة الحضارة , ولكن في صيغة تحاكي البناء الموسيقي، وتعزف بإقتدار على تنويعات لحنية يتدفق بين أصابعها هذا الشجن البديع، والرغبة للقفز خارج أسوار التعثر , للحاق بمسيرة العلم، وآخرين يبدعون في نطاق الحرية مع العدل العظيم .


Saturday, May 31, 2008

البحث عن رفاعة في لندن






" البحث عن رفاعة " في جامعة لندن


انتهي الكاتب والباحث والناقد السينمائي صلاح هاشم المقيم في باريس، من وضع العناوين والترجمة باللغة الانجليزية لفيلمه التسجيلي الطويل " البحث عن رفاعة" ، وذلك تمهيدا لعرض الفيلم في جامعة لندن( محطة: راسل سكوير ) يوم 9 يونيو. وكان تلقي دعوة من إدارة الجامعة لعرض فيلمه التسجيلي الطويل ( 62 دقيقة ) ذاك، عن رائد نهضة مصر الحديثة رفاعة رافع الطهطاوي ( 1801- 1873) ، ولأول مرة هناك. ويحكي الفيلم رحلة بين باريس فرنسا والقاهرة مصر، مرورا بأسيوط وطهطا في الصعيد الجواني ، تعرض ل " ذاكرة " رفاعة التربوية والتعليمية، االذي يلخص مشواره الثقافي والعلمي، قصة مصر في قرنين، وتفتش عما تبقي من أفكاره وتعاليمه وكتبه، التي جلبها من رحلته الي باريس عام 1826 الي مصر ، حين سافر الطهطاوي مع أول بعثة تعليمية أرسلها محمد علي باشا الي فرنسا، لدراسة العلوم الحديثة، فعاد منها لكي ينشر العلم والتعليم ويؤسس لنهضة مصر الحديثة، وخروجها من جاهلية العصور الوسطي الي " نور " التطور و التقدم والحداثة. كما يطرح الفيلم سؤالا : تري الي أي حد استفادت مصر من " تجربة " الطهطاوي، التي كانت بمثابة " ثورة " فكرية تنويرية أصيلة، لا في مصر فقط بل في العالم العربي، كما يبحث في المشاكل والمعوقات التي تحد في إطار الظروف الحالية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، تحد من انطلاقتها من جديد، وبخاصة بعد حرب بوش علي العراق، وما نجم عن هذه الحرب من تأثيرات في مجتمعاتنا العربية في عصر العولمة. ويعتبر الفيلم الذي ساهمت في صنعه مجموعة فنية عربية : الكاتب والباحث المصري صلاح هاشم مخرج الفيلم ، والفنان اللبناني سامي لمع الذي اضطلع بتصويره ومونتاجه ، والإعلامية الكويتية نجاح كرم منتجة الفيلم، عمل سينمائي عربي مشترك بمعني الكلمة ، إذ يقدم نموذجا لما يمكن ان تكون عليه محصلة " لم شمل " الجهود الفنية العربية، وتكريسها وتوظيفها لإبداع أعمال فنية وسينمائية مشتركة، تتواصل بحب مع الناس، وتمتعهم وتثقفهم في آن، كما انه يمثل ثمرة " صداقة وتعاون " تبلورت في النهاية من خلال إنتاج فيلم " البحث عن رفاعة " ، والتفكير في تأسيس شركة إنتاج مستقلة جديدة ، بإدارة الإعلامية الكويتية نجاح كرم، لتنفيذ العديد من المشروعات الفنية المشتركة، عبر " سلسلة " أفلام ، تعرض لرواد وأقطاب الثقافة والعلوم والآداب والفنون والنهضة في العالم العربي، بالتعاون مع الهيئات والمنظمات والمؤسسات الثقافية العربية والدولية، ودعمها وتشجيعها.ويعقب العرض يوم 9 يونيو لقاء مع صلاح هاشم مخرج الفيلم..

Wednesday, March 19, 2008

البحث عن رفاعة . فيلم جديد لصلاح هاشم

رفاعة رافع الطهطاوي ( 1801-1873) رائد نهضة مصر الحديثة وماذا تبقي من تراثه وفكره في مصر اليوم

فيلم
البحث عن رفاعة
سيناريو واخراج: صلاح هاشم
تصوير :سامي لمع .سمير محمود. صلاح هاشم
مونتاج: سامي لمع
موسيقي: يحيي خليل
يحكي خلال ساعة عن وقائع رحلة بين باريس والقاهرة وأسيوط وطهطا، بحثا عن ذاكرة رفاعة رافع الطهطاوي( 1801-1873) رائد نهضة مصر الحديثة، الذي يلخص مشواره العلمي قصة مصر في القرنين الماضيين، ويسأل الفيلم: تري ماذا تبقي من تعاليمه وكتبه ونظرياته وافكاره، بخصوص العلم والتعليم، وحرية المرأة ، والعلاقة بين الحاكم والمحكومين، في مصر اليوم
وماذا تستطيع السينما أن تفعل

Wednesday, January 23, 2008

مجلة العربي ترعي تظاهرة اسبوع افلام من الخليج

الناقد عماد النويري مدير نادي الكويت للسينما المشرف علي التظاهرة


ضمن احتفالات العربى باليوبيل الذهبى

افلام مختارة ونخبة من السينمائيين فى اسبوع افلام من الخليج .

ضمن احتفالات مجلة العربى باليوبيل الذهبى ينظم نادى الكويت للسينما اسبوع

( افلام من الخليج ) فى الفترة من 3 الى 7 فبراير 2008 , ويتضمن الاسبوع عرض افلام مختارة روائية وتسجيلية طويلة وقصيرة من دول مجلس التعاون الخليجى , كما يستضيف الاسبوع نخبة من السينمائيين من مختلف الدول العربية .

من الافلام التى ستعرض خلال الاسبوع الفيلم العمانى ( البوم ) من اخراج خالد الزدجالىوهو الفيلم العمانى الروائى الاول . وفيلم ( حكاية بحرينية ) من اخراج بسام الزوادى الذى حاز على التقدير النقدى والجماهيرى فى اكثر من ملتقى ومهرجان , هذا اضافة الى العديد من الافلام الروائية والتسجيلية القصيرة من الامارات والسعودية وقطر والكويت ومن هذة الافلام ( مرايا الصمت ), و ( 500 كيلو سينما ) و( طفلة السماء ) و( نساء بلاظل و( الغبنة ) و( عصافير القيظ ) و( شرق ) وغيرها من الافلام الخليجية التى حازت خلال العامين المنصرمين على فرصة العرض والحصول على جوائز فى العديد من المسابقات والمهرجانات العربية والعالمية . كما سيعرض فى اليوم الختامى الفيلم التسجيلى االجديد ( قصيد سيمفونى ) للمخرج الكويتى حبيب حسين , وعلى هامش الاسبوع تقام ندوات لمناقشة الافلام المعروضة والحديث عن سينمات دول مجلس التعاون الخليجى المختلفة . كما تقام ندوة رئيسية يشارك فيها ثلاثة من مدرء المهرجانات السينمائية العربية داخل وخارج منطقة الخليج . وهم مسعود امراللة ود . خالد الزدجالى و د . خالد شوكات اضافة الى المخرج السعودى عبداللة العياف والناقد البحرينى حسن حداد . ويستضيف الاسبوع ايضا الفنانة فاطمة عبد الرحيم والفنانة مريم مريم زيمان .

يقام هذا الحدث السينمائى الخليجى الممير بدعم كامل من مجلة العربى والتى صرح رئيس تحريرها د . سليمان العسكرى بان الفضاء الخليجى يستحق ان تكون له سينما خاصة تستحضر تراثه وتوثق تاريخه وتواكب انتقاله من عصر الى عصر .وان حرص العربى على هذة التظاهرة ياتى من رسالتها التى تشجع الفنون ومن صدرها الرحب لكل التجارب العربية فى الثقافة .